وقد حصل هذا الاستيعاب بسبب الكفاية والوفرة المادية، وتحرر الكثرة الكاثرة من الحاجة المادية، فلم تعد هذه الحاجة المادية تضغط عليهم، لتطلق منهم أصوات الرفض للواع الذي يعيشونه , وتشكّل منهم القُوى الانشقاقية عن المجتمع.
لكنّ تلبية احتياجات الناس الماديّة، التي أزالت أسباب انشقاقهم واحتجاجاتهم وتمرّدهم، وقد ولّدت لديهم العبودية والاستكانة لإداراتهم الحاكمة، وطبقاتهم المالكة لرؤوس الأموال، فغدوا أدوات سلبية للنظام السائد، يدعمون استمراره باستكانتهم، وبرضاهم بما حققه لهم من سعادة مادية، وبعدم قيامهم بأي احتجاج أو رفض، أو تحرك لإحداث قُوىً منشقة.
لكن هذه السعادة التي نالوها، واستكانوا بسبب تخديرها لهم سعادةٌ سطحية وهمية مزيفة. مَثَلُها كمثل الدعايات التجارية حينما تتوسل لإغراء الجماهير بالرسم والصور الجنسية، دون أن تحقق لهم الإشباع الجنسي الحقيقي الذي يتطلّبونه.
وزعم "ماركوز" أن لدى الإنسان قسمين من الاحتياجات:
القسم الأول: الاحتياجات الحقيقية.
القسم الثاني: الاحتياجات الزائفة.
وزعم أن الاحتياجات الزائفة في حياة الإنسان، هي التي يتم بها إخضاع الفرد، وحرمانه من حريته الحقيقية، التي هي إدارة نفسه بنفسه، وعدم استكانته وخضوعه لأية سلطة مهما كانت.
فالكفاية والوفرة قد كان من نتائجهما توليد الاستكانة والخضوع والعبودية لدى المجتمعات الغربية، بسبب ما حققتا لها من تأمين احتياجاتها الزائفة السطحية، القائمة على سعادة الجسد ومتعته، وهي سعادة زائفة، لكنها سبب ذلك تخدّرت فلم تعُد تنشد احتياجاتها الحقيقيّة، وهي حرّيّتها الحقيقية، التي يكون الإنسان فيها سيّد نفسه بنفسه لا يخضع معها لأحد.