الذي كان في الحالة الأولى، ومحلّ الاستِدلالِ الفكريّ الذي كان في الحالة الثانية، وتأتي التجربة فتدعم الملاحظة أو تعدّلها أو تبدّلها.
وفي هذه الحالة الثالثة يجعل الفكر قوانين الطبيعة (أي: العلاقات المطردة بني الظواهر) بدل العلل والأسباب.
ويأتي العلم التجريبي ليجيب عن سؤال:"كيف؟ " لا ليجيب عن سؤال: "لِمَ؟ ".
أي: كيف حَدَثَتِ الظاهرة، مثل ظاهرة وجود الإنسان؟ ولا يجيب عن سؤال: لِمَ حدثت الظاهرة؟ مثل: لِمَ وُجدَ الإنسان؟. وما هي الغاية التي وُجِد من أجلها؟.
ورأى "كونت" أنَّ هذه الحالة الثالثة الواقعية مختلفة تماماً عن الحالتين الأولى والثانية، في الموضوع، وفي التفسير، وفي المنهج.
ورأى أن هذه الحالة هي التي أفلحت في تكوين العلم، وعلى هذا فيجب أن يحلَّ العلم محلّ الفلسفة، فكلّما أمكن أن تُعالج مسألة ما بالملاحظة والتجربة انتقلت هذه المسألة من الفلسفة إلى العلم، وبذلك يُعتبَرُ حلُّها حلاًّ نهائياً.
وزعم أن المسائل التي تقع خارج نطاق العلم ودوائر ملاحظته، وتجربته، هي أمور غير قابلة للحل.
ورأى أن هذه الحالة الثالثة تمتاز عن الحالتين الأولى والثانية بأثرها في قيام علم الاجتماع.
* * *
(٤) وفي نظرة كلّيّة جامعة لهذه الحالات الثلاثة، رأى "أوجست كونت" أنها حالات متنافرة فيما بينها، وأنَّها تتعاقب في كل إنسان:
o ففي طفولته الفكرية، يقنع بالتفسيرات اللاهوتية بسهولة.
o وفي شبابه يحاول اكتشاف عِلَلٍ ذاتيةٍ في الأشياء.