للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه تعالى: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} المُنْكَر: كُلُّ ما أَنْكَرهُ الشَّرْع، أي: نَهَى عنه سواءٌ ما يَتعَلَّق بحقِّ اللَّه تعالى، أو بحُقوق العِباد، الأَمْر بالمَعروف والنَّهْي عن المُنكَر واجِبٌ على الكِفَاية؛ لِقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١٠٤]، إذا جعَلْنا (مِن) للتَّبعيض، أمَّا إن جعَلْنَا (مِن) لِبَيَان الجِنْس والمَعنَى: ولتكونوا أُمَّةً تَأمُرُ بالمعروف وتَنهَى عن المُنكَر، فإنَّه يَكونُ فَرْضَ عَيْن، ولكن الصَّواب أنه فَرْض كِفَايَة؛ لأنَّ المَقصودَ به إصلاحُ الغَيْر، فإذا حَصَل إصلاحُ الغَيْرِ بغَيرِك حَصَل المَقْصُود، أمَّا إذا لم يَحصُل فإنه يَجِب أن تَأمُر، فإِذَا وجَدْنَا مِن الناس تَهاوُنًا في هذا الأَمْرِ وتَكَاسُلًا صار فرضًا علينا، أمَّا إذا رأَيْنا أنَّ الناس قد استَقامُوا على هذا وصاروا يَأمُرُون بالمعروف ويَنهَوْن عَن المُنكَر، فإنه يَكون في حَقِّنا فَرْضَ كِفَاية.

وقوله تعالى: {وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} حتى والِدَيك تَأمُرُهما بالمَعروف وتَنهاهُما عن المُنكَر، بل إنَّ حقَّ الوالِدين أَعظَمُ مِن حقِّ غيرِهما؛ لأنَّ الأَمْر بالمَعروف والنَّهي عن المُنكَر إحسانٌ للمَأْمُور والمَنْهِيِّ، وليسى إساءة، فإذا كان كذلك فأَحَقُّ مَنْ تُحْسِنُ إِلَيْه وَالِدَاك.

فإن قال قائِل: الأَمْر بالمَعروف والنهيُ عن المُنكَر هل هو المَوْعِظَة فقَطْ أم غيرها؟

فالجَوابُ: لا، نحن ذَكَرْنا فيما سَبَق، أنَّ المُراد: الثَّلَاثَة؛ بَيَانٌ ودَعْوَة، وأَمْر ونَهْي، وتَغْيِير، فالبَيَانُ والدَّعوة واجِبان على كل أحَد، فإنه يَجِب عليه أَنْ يُتين إذا دَعَتِ الحاجَةُ إلى البَيَان أو سُئِلَ عن عِلْم، وكل أحَد عليه أن يُبَلِّغ إذا اقتَضتِ الحالُ ذلك، وأمَّا الأَمْر فهو أخَصُّ مِن الدعوة؛ لأن الأمر أن تُوَجِّهَ أمرًا إلى شَخْص مُعيَّن ما هو

<<  <   >  >>