للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأن تُبَيِّن أن تَقُوم في الناس، وتَقُول: هذا حَلَال، وهذا حَرَام، هذا يُعْتَبر مَوْعِظَة، وأمَّا التغْيِير: فَأَن تُغَيِّرَ بيدك تَأخُذ هذا المُنكَر تُكَسِّره مثَلًا، نعَمْ، أو تَقول بِلِسانك، إذا عَجَزْت عَن الفِعْل تُغَيِّر باللسان، إمَّا بِرَفْع الأَمْر إلى مَن يَسْتَطيع التغيير، وإمَّا بالانتِهار والتوبِيخ والزَّجْر، فإن لَم تَسْتَطِع هذا ولا هذَا فيَكُون التَّغْيِير بالقَلْب وهو الكراهَة والبَغْضَاء؛ وهذا في الحقيقة لا يَحصُل التغيير المُطْلَق يَعنِي: أنَّ المُنكَر لو تُنكِره بقَلْبِك لا يَزُول، لكن هذا أَدْنى دَرَجاتِ التَّغْيِير، ولهذا قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في ذلك: "وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" (١).

ومن شروط ذلك: الاستِطاعة، وهذا شَرْط في كل واجِب، لقَولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦].

ومن الشُّرُوط أيضًا: أن لا يَخْشَى ضرَرًا محُقَّقًا، فإن خَشِيَ الضرَر في مالِه أو بدَنِه لم يَلْزَمْهُ، فإن خَشِيَ الأذِيَّة لَزِمَه؛ لأنَّه لا بُدَّ مِن أذًى، لكن أذِيَّة ما فيها ضَرَر؛ ولهذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} هَذَا تَوْطِئَة وتَمْهِيد كَأنَّه يَقُول له: إذا أَمَرْت بالمَعروف ونَهيْت عن المُنكَر فلا بُدَّ أن يَحْصُل لك أَذِيَّة فاصبِرْ على هذا.

وهذا هو الواقِع، فإنَّ الآمِرَ بالمعروف والنَّاهِيَ عن المُنكَر غالبًا يُؤْذَى، يُؤْذِيه المَأمُور والمنْهِيُّ، إمَّا بالقول وإمَّا بالسُّخْرِيَة، ورُبَّما تَصِل الحال إلى أنه يَرْمِيه بالحِجَارة أحيانًا، وربما تَصِل الحال إلى أنَّه يُخَرِّبُ سَيَّارَتَه، أو يَكْسِر بابَه، أو ما أَشبَهَ ذلك، لكن الأخير هذا ضرَرٌ في المال، ولكن لا بُدَّ أن يَكون أمرًا محُقَّقًا، أمَّا إذا كان وَهْمًا عن الضَّرَر فَلَيْسَ بِشَيْء.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم (٤٩)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>