وقال عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} المُشار إلَيه ما سَبَق مِن الأمُورِ الأرْبَعَة {أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} أي: مَعْزُومَاتِهَا التي يُعْزَم عليها لِوُجُوبِها].
قوله تعالى:{الْأُمُورِ} بمَعنَى: الشُّؤُون والأَحْوال، والعَزْم هنا مَصدَر بمَعنى اسْمِ المَفْعُول، أي: مَعْزُومَاتِهَا التي يُعْزَمُ عليها؛ لِأنَّها وَاجِبَة، واللَّه أَعلَمُ.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّه يَنْبَغِي للآباء أن يُوصوا أبناءَهم بهذه الخِصَالِ الأربَعِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه يَنبَغي لِلأَبِ أن يَقْرُنَ مَوْعِظتَه لِابنِه بالتَّرْغِيب والتَّرْهِيب، فإنَّ قولَه تعالى:{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} تَأْكيد وحَقّ على الابنِ أن يَقومَ بهذه الوَصَايا الأَرْبَعِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: مِن كُلِّ هذه الوصايا، قوله تعالى:{يَابُنَيَّ} يُؤْخَذُ مِنه تَلَطُّف الإنسان بِمُخَاطَبة ابنِه، لا سِيَّمَا في مَقَام المَوْعِظَة.
ويَتَفَرَّع على هذا أيضًا: بَيانُ سُوءِ مُعَاملةِ بعض الَاباء إذا أَراد أن يَعِظَ ابنَه عامَلَه بالعُنْف والشِّدَّة، وهذا خَطَأ وقد قال النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي بِالرِّفْقِ مَا لَا يُعْطي عَلَى العُنْفِ"(١)، وأنتَ إذا عمِلْتَ بهذا الشَيْءِ فإنَّك سوف تَتعَامَل بالرِّفْق؛ لأنَّ الرَّسُول -صلى اللَّه عليه وسلم- أَخْبَر بأن اللَّه تعالى يُعْطِي بالرِّفْق ما لا يُعْطِي على العُنْف، فإذا كان يَحصُل لك مَقْصُودُك بالعُنْف فإنَّ حصُولَه بالرِّفق مِن بَابِ أَوْلَى.
(١) أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، رقم (٦٠٢٤)، دون الجملة الأخيرة، وأخرجها مسلم: كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، رقم (٢٥٩٣)، من حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-.