للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَنبَغي رَفْع الصوت؛ كما في الأذان والخُطبة وما أَشبَهَه.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن رَفْع الصوت في غير مَحلِّه مُحرَّم؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: ١٩]، فإنَّ هذا التَّشبيهَ يَقتَضي التَّنفير منه، وقد قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَيْسَ لنَا مَثَلُ السَّوْءِ" (١).

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: ذَمُّ أصوات الحَمير؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.

ويُؤخَذ منها أنَّ للجارِ أن يُطالِب جاره إذا كان عنده حِمارًا نَهَّاقًا ببَيْعه وإزالته وكان نَهيقه غيرَ مُعتاد؛ لأن بعض الحَمير كثيرة النَّهيق؛ فعلى هذا له أن يُطالِب مِثلَما قال الفُقَهاءُ رَحِمَهُم اللَّهُ: إنَّ لَهُ أَنْ يَمنَعه من الرَّحى التي يُطحَن بها دائِما، وكذلك من تَغسيل الثِّياب ودَقِّها دائِمًا، كل ما يُؤذِي الجار فلِجاره أن يَمنَعه منه، فإذا كان اللَّه سبحانه قد وَصَف النَّهيق بأنه أَنكَرُ الأصوات، فإن له أن يُطالِب، فتقول: بعْ هذا الحِمارَ، وإلَّا اجعَلْه في مَكان آخَرَ، حتى لا أَتاَذَّى به.

فإن قال قائِل: هل له أن يُطالِبه بإزالة آلات اللَّهْو التي هي أعظُمُ من النَّهيق؟

فالجَوابُ: نعَمْ، له أن يُطالِب جارَه بذلك، يَعنِي: لو أنه صار يَرفَع أصوات المَزامير -والعِياذُ باللَّه- والغِناء، فله الحَقُّ أن يُطالِب، حتى وإِنْ لم تُزعِجْهم؛ لأنَّ هذا مُنكَر.

ولو كان له جار، يَصعَد إلى السَّطْح في أيام الصيف، وعنده مُسجِّل فيه


(١) أخرجه البخاري: كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، رقم (٢٦٢٢)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>