للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّه يَنبَغي لِلإنسَان أن يَكونَ مَشْيُه قَصدًا لا إِسْراعًا مخُلًّا، ولا دَبِيئا مُتبَاطِئًا، فالإِسْرَاع الذي فِيه التَّهَوُّر والعَجَلَة والطَّيْش مَذْمُوم، والتَّبَاطُؤ والدَّبِيب أيضًا مَذْمُوم.

فإن قال قائِل: إذا احتاج إلى السرعة في المَشي في بعض الأوقات، فهل له ذلك؟ أو أنه اراد أن يَذهَب إلى عمَله؛ ليَصِل في وَقْته فهل له أن يَمشِيَ كلَّ يوم هكذا؟

فالجَوابُ: ليس فيه بأسٌ، بل قد يَجِب أحيانًا كما لوِ احتاج لإنقاذ نَفْسه، أو إِنْقاذ غيره من هَلاكه، فكل مَقام له مَقال، فالمَقصود هنا في المَشي العادي؛ أمَّا في شُغْله فالأَوْلى أن يُرتِّب وقته، حتى يَخرُج إلى شُغْله بالمَشي المُعتاد؛ لكن لو فُرِض أنه تَأخَّر في يوم من الأيام فله أن يَفعَل.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن يُقال: إذا كان هذا في المَشي الحِسِّيِّ؛ فلْيَكُن كذلك في المَشي المَعنَويِّ إلى الآداب والأخلاق، لا يَنبَغي للإنسان أن يُسرِع سُرعة مخُلَّة، ولا أن يَتَباطَأ تَباطُؤًا مُفوِّتًا للمَقصود، أمَّا الإسراع إلى الجيْر فقَدْ أمَر اللَّه تعالى به، ولكنه لا يَتَجاوَز الحَدَّ؛ ولهذا قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسْرِعُوا" (١).

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنه يَنبَغي للإنسان أن يَغُضَّ من صوته؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}، وذكَرْنا أنه يَشمَل الكِمِّيَّة والكيفية، فإنه في بعض الأحيان


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة، رقم (٦٣٦)، ومسلم: كتاب المساجد، باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة، رقم (٦٠٢)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>