الكَيفِيَّة، أمَّا باعتِبار الكَمِّيَّة فأحيانًا رُبَّمَا تُضْطَرُّ إلى رَفْعِ الصوت، ولهذا قال تعالى:{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} يَعنِي: أحيانًا، لكِنْ في بعضِ الأحيان تَسْتَدْعي الحالُ أن تَرْفَعَ صَوْتَك بِقَدْرِ ما تُسْمِع.
ثُمَّ علَّلَ بقوله تعالى:{إِنَّ أَنْكَرَ} يُحتَمَل أن يَكُون مِن كلام لُقْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ لأنه الأصْل، ويُحتَمَل أن يَكُونَ مِن كلامِ اللَّه تعالى خَتَمَ اللَّهُ به الآيةَ.
وقولُه:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} تَعْلِيلٌ لقولِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ} يَعنِي: أقبحَها وأبْشَعَهَا، ولَيْسَ أعْلَاها، لكِنْ أَنْكَرَهَا، لأنَّ في الحيْوَان مَن هو أعلَى صوْتًا مِن الحِمَار، لَكنْ في القُبْح ليس هناك أَقْبَحُ مِن صَوتِ الحَمِير.
وقولُه تعالى:{أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} الجُمْلة هذه مُؤَكَّدَة بِمُؤَكّدَين وهي (إنَّ) واللَّام، ووَجْهُ ذلك ما ذكَرَه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّه: أنَّ أوَّلَه زَفِير وآخِرَه شَهِيق.
والفَرْق بين الزَّفِير والشَّهِيق أن الشَّهِيق يَكونُ بَاطِنًا في الصَّدْر، والزَّفِير يَكُون خَارِجًا؛ ولهذا قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان: ١٢].
وكذلك الآيةُ الثانية:{لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}[هود: ١٠٦]، هذا باعتِبار السَّاكِنِين، وقال في آيةٍ أُخْرَى:{سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}[الملك: ٧] فَذكَرَ اللَّه تعالى لِلنار زَفِيرًا وشَهِيقًا كما أنَّ لِسَاكِنِيها -أيضًا- زَفِيرًا وشَهِيقًا، نَعُوذُ باللَّهِ تعالى مِنه.
قال تعالى:{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} انْتَهَتِ الوِصَايَة النَّافِعَة التي هِي مِن الحِكْمَة التي أَعْطَاهَا اللَّهُ تعالى لُقْمَان عَلَيْهِ السَّلَامُ.