للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على هؤلاء الكافِرين بالنِّعَم الكثيرة، ومن المُسلِمين مَن هو في جَهْد شَديد ومرَض وفَقْر وجَهْل، وما أَشبَهَ ذلك؛ كذلك يُجادِل في أفعال اللَّه تعالى في مَسأَلة القَدَر، فتقول مثَلًا: إمَّا أن يَكون اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد قدَّر على الإنسان عمَله أو لا، فإن كان قدَّر عليه عمَله؛ فكيف يُعاقِبه؟ وإن لم يُقدِّر عليه عمَله، فمَعنَى ذلك أن الإنسان مُستَقِلٌّ به، فيَكون مُنفَرِدًا بالحوادِث ومُشارِكًا للَّه تعالى فيها، وما أَشبَه هذا من الجدَل الذي يَكون بغير عِلْم.

ولهذا يَنبَغي للإنسان في مَسائِل الشرع وفي مَسائِل القدَر؛ أن يَستَسلِم لما دلَّ عليه الكِتاب والسُّنَّة، وأن لا يُجادِل؛ لأنه إن فتَح على نَفْسه باب الجدَل فلن يَستَقِرَّ له قدَم أبَدًا، ولهذا قال ابن حجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (١): "إن المَسائِل العَقْلية ليس لها دَخْل في الأمور الخبَرية"؛ لأننا لو أَرَدْنا أن نُحيل هذه الأمورَ على العَقْل، فإن العاقِل قد يُجوِّز ما كان مُمتَنِعًا شرعًا غايةَ الامتِناع، كما أنه قد يَمنَع ما هو جائِز، والمُراد بالعَقْل ما ادعَّى صاحبه أنه عَقْل، أمَّا العَقْل الصحيح الصريح فإنه لا بُدَّ أن يُوافِق النَّقْل الصحيح؛ وإذا شِئْتم أن يَتبَيَّن لكم هذا فاقرَؤُوا كتاب شيخ الإسلام ابنِ تَيميَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ -إن أَطَقْتُموه- المُسمَّى بكتاب العَقْل والنَّقْل أو مُوافَقة صريح المَعقول لصحيح المَنقول.

المُهِمُّ: أنَّ الجدَل بابُه واسِع، والكلام هنا في المُجادَلة المَذمومة، وهي المُجادَلة بغير عِلْم.

إذَنْ: {فِي اللَّهِ}: في ذاتِه، وفي رُبوبيته، وأُلوهيته، وأَسمائه وصِفاته، وأَحْكامه، وأَفْعاله.


(١) فتح الباري (١/ ١٩٣).

<<  <   >  >>