يَعنِي: والحال أنه مُحسِن. والمُراد بالإحسان، يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[مُوحِّد] أي: التوحيد، ولكن الصواب خِلاف كلامه، لأنَّ التَّوْحيد مَفهوم من قوله تعالى:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ}، لكن قوله تعالى:{وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي: مُحسِن باتِّباع شريعة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فيَكون في الآية إشارة إلى الحُكْمين الأَساسِيَّين في العِبادة، وهما: الإخلاص والمُتابَعة، فقوله تعالى:{وَهُوَ مُحْسِنٌ} يَعنِي: في اتِّباع الشريعة، يَعنِي: مُتَّبع لشريعته على وجهِ الإحسان.
وقوله تعالى:{فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} استَمْسَك بمَعنَى: تمَسَّك، لكنها أتتْ بهذه الصِّيغةِ (استَفعَل) للمُبالَغة، أي: للمُبالَغة في التَّمسُّك، لأن (استَمْسَك بكذا) أَقوَى من قولك: تمَسَّك به؛ لأنهم يَقولون: إن زيادة المَبنَى تَدُلُّ على زِيادة المَعنَى؛ فلمَّا كثُرَت حروف (استَمْسَك) صارت أَقوى في مَعناها من: (تمَسَّكَ).
وقوله تعالى:{بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} بالطرف الأَوْثَق، الذي لا يَخاف انقِطاعه، الإنسان عندما يَتمَسَّك بالحبْل، فتارةً يَتَمسَّك به بطرَفه وليس له عُروة، وتارة يَتمَسَّك به بطرَفه وهو مَعقود، وتارةً يَتَمسَّك به بطرَفه وهو مَثنِيٌّ كالعُروة؛ فالأَبلَغُ العُروة؛ لأنَّ الإنسان لو تمَسَّك بطرَفه ربما يُزلَق فيَسقُط، وكذلك بطرَفه مَعقودًا لا يَتمَكَّن مثلما يَتَمكَّن بطرَفه إذا كان عُروة.
{الْوُثْقَى} مُؤنَّث (أَوثَق)؛ لأنَّ العروة التي هي أَوْثَق شيء، ولا ريبَ أن مَن أَسلَم وجهه للَّه تعالى وهو مُحسِن فإنه سيَنجو من كل مَكروهٍ، ويَفوز بكُلِّ مَطلوب؛ لأنَّ هذا هو الطريق الأمثل الذي يُوصِل إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أن تُسلِم وجهَكَ إليه وأنت مُحسِن.
وورد مِثلُها في القُرآن قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ