للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على بيان الحُجَّة، وظُهور المَحجَّة، فالآنَ هُمُ اعتَرَفوا بأنهم على ضَلال في شِرْكهم، فالحَمْد للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هنا على بَيان الحُجَّة وإظهارها، لأنهم خُصِموا في ذلك؛ فإنهم إذا أَقَرُّوا واعتَرَفوا أن خالِق السموات والأرض هو اللَّه تعالى، وأن هذه الأَصنامَ لا تَخلُقُ، فقَدْ أَقَرّوا على أنفسهم بأنَّ هذه الأصنامَ لا تَستَحِقُّ العِبادة؛ ولهذا: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}.

كما يُمكِن أن نَقول مع ذلك: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} على خَلْق السَّموات والأرض، أي: أنه يُحمَد على أنه الخالِقُ عَزَّ وَجَلَّ دون غيره، فيُحمَد على ما له من صِفات الكَمال، ومن جميل الأفعال.

يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ} على ظُهور الحُجَّة عليهم]، الحَمْد تَقدَّم لنا مِرارًا وتَكرارًا بأنه وَصْف المَحمود بالكَمال، مع المَحبَّة والتَّعظيم، واللَّام في قوله تعالى: {لِلَّهِ} للاستِحْقاق والاختِصاص، للاستِحْقاق؛ لأنه هو المُستَحِقّ للحَمْد، كما قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "أَهْلَ الثَناءِ وَالمَجْدِ" (١)، وللاختِصاص؛ لأن الذي يَستَحِقُّ الحمد المُطلَق هو اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} بل هنا للإِضراب الانتِقاليِّ، فهو انتِقال مِمَّا سبَق للتَّسجيل عليهم بالجَهْل التامِّ، ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وجوبَه عليهم]؛ يَعنِي: التَّوْحيد، وإنما نَفَى العِلْم عنهم، لانتِفاء فائِدته، والشيء قد يُنفَى لانتِفاء فائِدَته، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا} يَسمَعون باَذانهم، {وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١] نفَى السَّمْع عنهم؛


(١) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، رقم (٤٧٨)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>