للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لانتِفاء فائِدته بالنِّسبة إليهم، ففي قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} نفَى العِلْم عنهم، وإن كانوا يُقِرُّون بأن اللَّه تعالى هو الخالِق، لكنهم لم يَنتَفِعوا بهذا العِلْمِ، وعالم لم يَنتَفِع أشَدُّ قُبْحًا من جاهِل لا يَدرِي؛ لأنه جاهِل مُركَّب، وذاك جاهِل بسيط، ولأنه مُعَانِدٌ مُسْتكبِر، والآخَرُ غير مُعانِد، فالجهْل المُركَّب أَشَدُّ قبحًا، والعِناد عن عِلْم أشَدُّ من العِناد عن جَهْل، يَقول الشاعِرُ بيتين:

وَمَنْ رَامَ الْعُلُومَ بِغَيْرِ شَيْخٍ ... يَضِلُّ عَنِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ

وَتَلْتَبِسُ الْعُلُومُ عَلَيْهِ حَتَّى ... يَكُونَ أَضَلَّ مِنْ تَوْمَا الحَكِيمِ (١)

(تُومَا) جاهِل مُركَّب يُسمُّونه الحَكيمَ، لكنه غرَّه أنهم سمَّوْه الحكيمَ، وبدَأَ يُفتِي في كل شيء، حتى أَفتَى بأنه مَن تَصدَّق على إنسان بابنَتِه فإنه يَدخُل الجنَّة، فقيل:

تَصَدَّقَ بِالْبَنَاتِ عَلَى رِجَالٍ ... يُرِيدُ بِذَاكَ جَنَّاتِ النَّعِيمِ!

فلو قال قائِل: ما الفَرْقُ بين الجهْل المُركَّب والجَهْل البَسيط؟

فالجَوابُ: الجهْل المُركَّب والبَسيط نَظْمُه في البَيْتَيْن الآتِيَيْن:

قَالَ حِمَارُ الحَكِيمِ تُومَا ... لَوْ أَنْصَفَ الدَّهْرُ كُنْتُ أَرْكَبْ

لِأَنَّنِي جَاهِلٌ بَسِيطٌ ... وَصَاحِبِي جَاهِلٌ مُرَكَّبْ (٢)


(١) ذكرهما ابن مفلح في الآداب الشرعية (٢/ ١٢٥)، وعزاهما لأبي حيان النحوي، وانظر: نفح الطيب للتلمساني (٢/ ٥٦٤).
(٢) غير منسوب، وانظره في: نهاية الأرب للنويري (١٠/ ١٠٠)، والآداب الشرعية (٢/ ١٢٦)، وزهر الأكم للحسن اليوسي (١/ ١٩٨).

<<  <   >  >>