للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيءٍ، فيَجعَل الخشَبَ بابًا، ويَجعَل المَدَر بيتًا، وما أَشبَهَ ذلك، ولكن لا يَخلُق خشَبةً ليَجعَلها بابًا، ولا يَخلُق مَدَرًا كي يَجعَله بيتًا؛ فكُلُّ ما في الإنسان من مَصنوعات ومُبتَكَرات ومُبتَدَعات إنما هو تَغيير وتَحويل من شيء إلى شيء، أمَّا إيجاد ذواتِ الأشياء فهو إلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ؛ ولهذا يَتبَيَّن مَعنَى قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وإلَّا فالإنسان يَخلُق، لكن خَلْقه ليس مَعناهُ: إبداعًا وإيجادًا بعد عدَم، ولكن -كما أَقولُه وأُكرِّره حتى يَتبَيَّن لكم- مَعنَى قولِه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، فأَثبَت أنَّ مع اللَّه تعالى خَلْقًا، لكنَّ هذا الخَلْقَ ليس خَلْقَ إيجاد، ولكنه خَلْق تَحويل وتَغيير لبعض الأَشْياء، حسَب ما أَعطاه اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى من قُدْرة عِلْمية وبدَنية.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إثبات أنَّ السماءَ مُتعدِّدة؛ لقوله تعالى: {السَّمَاوَاتِ} وقد بُيِّن في آية أُخرى أنَّ عدَدها سَبْع: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٦ - ٨٧].

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن اعتِراف الإنسان بالحَقِّ ممَّا يُحمَد اللَّه تعالى عليه؛ لقوله للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} لأنه لا شَك أنَّ إقرار الإنسان واعتِرافه بالحَقِّ إظهار للحُجَّة، وإذا ظَهَرتِ الحُجَّة كان في ذلك من الثناء على اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ما هو أَهْل له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ أكثَرَ هَؤلاء المُعانِدين والمُشرِكين كانوا لا يَعلَمون: إمَّا للجَهْل، وإمَّا لعَدَم الانتِفاع بعِلْمهم؛ لقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّه يَنبَغي تَأكيد الكلام في مَوْضِع التأكيد؛ لأنه قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ}، {لَيَقُولُنَّ} فأَكَد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أنهم سيَقولون ذلك؛ لئَلَّا يَقول قائِل:

<<  <   >  >>