للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمال قُدْرته عَزَّ وَجَلَّ.

والجَوابُ عمَّا يُورَد على المَرءِ: لماذا خلَقَ اللَّه تعالى السَّمواتِ والأرضَ في سِتَّة أيام؟ ولماذا يَخلُق الجَنين في بَطْن أُمِّه لمُدَّة تِسْعة أشهُرٍ؟ وما أَشبَهَ ذلك؟

والجَوابُ: أنَّ أفعاله مَقرونة بحِكْمة، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعَل الأسباب مَربوطةً بمُسبَّباتها، فلا بُدَّ من أن يَكون هناك سبَب ويَنتُجُ عنه مُسبَّب، ولا بُدَّ من أن يَكون هذا السبَبُ مُطابِقًا مُوافِقًا؛ حتى يَتِمَّ الخَلْق على كَماله.

فهذا الخَلْق يَحتاج إلى أشياءَ، مُقدِّمات وأَسْباب يَحصُل بها كَمال الخَلْق، فاللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قادِر على أن يَخلُق الجنين في بَطْن أُمِّه بدون أن يَتَناوَلها الرَّجُل كما حصَل في عيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، ومع هذا فإن اللَّه تعالى قد جعَل لهذا أسبابًا: اتِّصال ماء الرَّجُل بالمرأة، ثُمَّ بعد ذلك الجنينُ يَتطَوَّر شيئًا فشيئًا حتى يَصِل إلى الغاية، ثُمَّ إذا كان قابِلًا لأَنْ يَخرُج إلى الدنيا خرَج، ثُمَّ مع ذلك يَنمو شيئًا فشيئًا، لا يَأتيه العَقْل كامِلًا دفعة واحِدة، ولا يَأتيه النُّموُّ دفعة واحِدة، ولكنه على وَفْق الحِكْمة.

وقوله تعالى: [{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} يَسمَع كلَّ مَسموع، {بَصِيرٌ} يُبصِر كل مُبصَر، لا يَشغَله شيء عن شيءٍ]؛ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: [{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} يَبصُر كلَّ مُبصَر] وكلُّ مُبصَر فهو خَلْق مخَلوق، فما ثَمَّ إلَّا خالِق أو مخَلوق، فكل مُبصَر يَعنِي: كل ما مِن شَأْنه أن يَتعَلَّق به البصَر، ولو أني أنا ما أُبصِره، لكن اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُبصِره، فنَتَفاوَت؛ فهناك شيء يُبصِره زَيْد ولا يُبصِره عَمرٌو.

وقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} تَقدَّم أنَّ السميع يَنقَسِم إلى قِسْمين: قِسْم: بمَعنَى مجُيب، وقِسْم: بمَعنَى سامِع، يَعنِي مُدرِك للأصوات؛ فالسَّميع الذي بمَعنَى مجُيب.

<<  <   >  >>