للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ}: {فِي} للظَّرْفية، وهل هي على بابها أو بمَعنَى (على)؟

الجَوابُ: أن الفُلْك التي تُحمَل الأنعام هذه على سَطْحه، لكنها في الحَقيقة في وسَطه في الواقِع لا يُغطِّيها، لكن أَسفَلها مُغطًّى بالماء.

وقوله تعالى: {فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} الباء مُتعَلِّقة بـ {تَجْرِي} يَعنِي: تَجرِي بالنَّعَم أي: حامِلةً النَّعَم، ويُحتَمَل أن تَكون الباء للسبَبِيَّة، أي: تَجرِي بسبَب نِعْمة اللَّه تعالى، أي: أن اللَّه تعالى أَنعَمَ على عِباده بجرَيانها، وبين المَعنيَيْن فَرْق؛ لأنها على المَعنَى الأوَّلِ تُفيد أن هذه السُّفُنَ تَحمِل النَّعَم، وأمَّا المَعنَى الثاني تُفيد أن السُّفُن تَجرِي بنِعْمة اللَّه تعالى، يَعنِي: أن جَرَيانها من إنعام اللَّه تعالى علَيْنا.

والآية تَحتَمِل المَعنَيَيْن بدون مُناقَضة، وقد ذكَرْنا مِرارًا وتَكرارًا: أن الآيَةَ إذا كانَتْ تَحْتَمِل المَعنيَيْن بدون مُناقَضة حُمِلَت على المَعنَيَيْن.

فإنها قد تَجرِي فارِغةً ليس فيها شيء، ومجُرَّد تمَكين اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لهذه السُّفُن من أن تَجرِي في الماء والماء ليس جِرْمًا صُلْبًا يَحمِل، بل هو جِرْم لَيِّن، لولا أن اللَّه تعالى أن يَسير عليه هذه السُّفُنِ تمَشِي عليه ما مشَتْ، وإذا كانت رُكَّابًا فقط فهي تَكون في المَعنَى الأوَّلِ بإنعام اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والغالِب أنه يَكون فيها من نِعَمِ اللَّه تعالى مِن الأرزاق ما هو شيء كثير، لكن -واللَّهُ أَعلَمُ- أنها المَعنَى الثاني.

قوله تعالى: {تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} اللَّامُ مُتَعلِّقة بـ {تَجْرِي} وهي لامُ التَّعليل، أي: لأَجْل أن يُرِيَكم، ومَعنَى {لِيُرِيَكُمْ} يُظهِرَه حتى ترَوْه؛ يَعنِي: لأَجْل أن ترَوْا من آيات اللَّه تعالى ما يُبهِر عُقولكم.

<<  <   >  >>