للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ} انقَسَموا إلى قِسْمين، هذا الجوابُ محذوف {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} هذه (من) للتَّبعيض يَعنِي: فبعضُهم مُقتَصِد؛ قال المُفسِّر: [مُتوسِّط بين الكُفْر والإيمان، ومنهم باقٍ على كُفْره] هذا القَسِيمُ الثاني؛ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} أي: [مُتوسِّط] والاقتِصاد في كل شيء هو التَّوسُّط فيه؛ فالمعنى أن منهم مَن صار لا مُؤمِنًا ولا كافِرًا إذا ذُكِر عليه نِعْمة اللَّه بالإيمان جاء آمَن وشكَر ربَّه، وإن غَرَّته السلامة كفَر وطغَى فيَكون مُقتَصِدًا.

ومنهم المُقابِل وهو الكافِر، والدليل أن المُراد بالمُقابِل هنا كافِر قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} وإلَّا فقَدْ يَقول قائِل: مَن الذي يَدُلُّكم عن أن المُقابِل هو الكافِر؛ ألَا يُمكِن أن يَكون المُقابِل هو المُؤمِنَ؟ كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر: ٣٢]؟

قُلْنا: هذا مُمكِن؛ لكن قوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} يَدُلُّ على أن المُقابِل للمُقتَصِد هو الكافِر.

وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} الجَحْد بمَعنَى النَّفي والكِتْمان، وقد يُضمَّن مَعنَى التَّكذيب كما هنا، فإنه ضُمِّن مَعنَى التَّكذيب؛ لأن الجَحْد الذي بمَعنَى الكِتْمان يَتَعدَّى بنَفْسه فيُقال: جحَدَه. أي: كتَمَه، لكن هنا ضُمِّن مَعنَى التَّكذيب؛ ولذلك تَعدَّى بالباء فقيل: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} أي: ما يُكذِّب بها.

قوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} ومنها الإِنْجاء من الموت {إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ} غَدَّار {كَفُورٍ} لنِعَم اللَّه] أَيْ: ما يَجحَد بآيات اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويُنكِرها ويُكذِّب بها، والمُراد بـ (الآيات) هنا كل ما يَدُلُّ على نِعَمه وتَوحيده من الآيات الشَّرْعية والآيات الكَوْنية: ما يَجحَد بها ويُكذِّب إلَّا من جَمْع هذين الوَصْفين:

<<  <   >  >>