للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيَتَفَرَّع على ذلك: أن مَعرِفة اللَّه تعالى في مِثلِ هذه الحالِ لا تُجْدي؛ ولهذا قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" (١).

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن المُشرِكين يُقِرُّون بالرُّبوبية؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {دَعَوُا اللَّهَ} ولا يَدْعونه إلَّا لأنهم يَعلَمون أنه قادِر على إِنْقاذهم، وإلَّا فلا يُمكِن أن يَدْعوا مَن لا يَعتَقِدون أنه قادِر.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن المُشرِكين فيما سبَقَ أحسَنُ حالًا من المُشرِكين الآنَ؛ لأن المُشرِكين الآنَ إذا أَصابَتْهم الشِّدَّةُ يَدْعون آلهَتَهم أيًّا كان! ولا يَدْعون اللَّه تعالى، بل يَدْعون الوليَّ الفُلانيَّ والصَّحابيَّ الفُلانيَّ، وما أَشبَه ذلك؛ أمَّا المُشرِكون السابِقون فإنهم يَدْعون اللَّه تعالى.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُجيب دُعاءَهم مع عِلْمه بأنه سيَكفُرون؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} وهو يَعلَم ذلك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إجابةُ دَعْوة المُضطَرِّ ولو كان كافِرًا؛ فهؤلاءِ أَجاب اللَّهُ تعالى دَعْوتهم مع عِلْمه بأنهم كُفَّار وسيَكفُرون؛ ويُؤيِّد هذا عُمومُ قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} ولم يَقُلِ: المُؤمِن. بلِ قال: المُضطَرَّ، وهو عامٌّ، وكذلك أيضًا المَظلوم تُستَجاب دَعْوته ولو كان كافِرًا؛ لعُموم قول الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمُعاذِ ابنِ جبَل: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" (٢).


(١) أخرجه الإمام أحمد (١/ ٣٠٧)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، رقم (١٤٩٦)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (١٩)، من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>