للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسأَلةٌ: إذا كان يُشدِّد على نَفْسه تَربيةً لنفسه فلا بَأسَ ما دامَ يَعتَقِد أن حُكْم اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو التَّسهيل، لكن يُشدِّد على نَفْسه تَوَرُّعًا، وله من الأصل من الدَّليل فلا بأسَ؛ فمثَلًا: بعض الناس يَتَوَرَّعون عن بعض المأكولات، هو نفسه لا يَأكُل، لكن لا يَقول للناس: لا تَأكلوا؛ لأنه ليس عِنده دَليل، أو يَتَورَّع عن بعض الأَطياب، لكن لا يُحرِّمها على الناس؛ لأنه ليس فيها دَليل، أو مثَلًا يُلزِم نَفْسه بفِعْل شيء ليستِ الأدِلَّة صَريحة بالوُجوب فيه، فهو لا يُوجِبه على الناس، لكن هو لا يُحِبُّ أن يَتأخَّر، فهذا ليس فيه بأسٌ؛ لأن هذا ليس فيه هوًى، فالمُشكِلة الهَوى: بأن يُسهِّل على نَفْسه ويُشدِّد على الناس.

فإن قال قائِل: أنا أُبيح لنَفْسي فِعْل هذا الشيءِ؛ لأني أَضبِطُ نَفْسي، فلا أَتَجاوَز الحَلال؛ وأَنهَى الناس عنه؛ لأنَّني لو رَخَّصْت لهم فيه يَتَجاوَزون الحَلال فأنا أَمنَعُه؛ لئَلَّا يَتَجاوَزوا الحَلال، وأمَّا بالنِّسْبة لنَفْسي فأنا ضابِط نَفْسي أني لا أَتعَدَّى الحَلال؟

فالجَوابُ: أن نَقول: لا تَقُلْ: (حرام) على الناس، لكن قُلْ: (أَخشَى عليك أن تَتَجاوَز) وما أَشبَه ذلك؛ هذا الواقِعُ؛ أمَّا أن تَقول له: (حَرام) فتَمنَع هذا الرجُلَ من هذا الشيءِ وأنت تَتَمَتَّع به كما تَشاءُ، فهذا لا يَصلُح، لكن قُلْ له: (أنا أَخافُ عليك أن تَتَجاوَز الحلال أو أن يَقتَدِيَ بك مَن يَتَجاوَز به)، وما أَشبَه ذلك حتى يَتَبيَّن له الأمر: أنَّ حُكْم اللَّه تعالى فيه حلالٌ، ولكنه يَخشَى من أن يَزيد الناس فيه، واللَّه أَعلَمُ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: وُجوبُ تَقْوى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} فالأمرُ ولا سِيَّما أنه قُرِن بالتحذير باليَوْم الآخِر؛ لقوله تعالى: {وَاخْشَوْا يَوْمًا}.

<<  <   >  >>