للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: "مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" (١)، فتَأمَّلْ: رَسولان أحدُهما أفضَلُ المَلائِكة والثاني أفضَلُ البَشَر، كِلاهما يَقول: لا عِلمَ عِنْدي؛ لأن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا المَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ" يَعنِي: إذا كنتَ أنتَ لا تَعلَم فأنا من باب أَوْلى لا أَعلَمُ.

فإِذَنْ: عِلْمها يَختَصُّ باللَّه تعالى، ولقَدْ كذَب مَنِ ادَّعى أنه يَعلَمها، ولا سِيَّما بالواسِطة التي ذَكَر أنها دالَّة عليها، كما نُشِر عن شَخْص يُسمَّى رَشاد خَليفة، هذا رجُل في أمريكا، وهو رجُل عِنده عِلْم، لكنه اغتَرَّ اغتِرارًا عَظيمًا بما يُسمِّيه (العدد التاسِعَ عَشَرَ)؛ حيثُ ادَّعَى أن القُرآن كُلَّه مُركَّب على تِسعةَ عَشَرَ حَرْفًا، وأن هذا الماثِلَ عنده: التِّسْعةَ عَشَرَ، استَدَلَّ به على أنه يَعرِف متى تَقوم الساعة، وحدَّدَها -أَظُنُّ- فوق الألفَيْن بسَنوات قليلة.

وهذا الرجُلُ في الواقِع اللَّه أَعلَمُ: هل هو مُتَأَوِّل، أو مُعانِد؟ ! لكنَّ كلَّ مَنِ ادَّعى عِلْم الساعة فهو كافِر؛ لأنه مُكذِّب للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورسوله عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وإجماع المُسلِمين، والمُسلِمون مجُمِوعون إجماعًا قَطعيًّا على أنه لا يَعلَم متى تَقوم الساعةُ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الساعة هي القِيامة، وسُمِّيَت الساعةَ؛ لأنها أَعظَمُ حدَث يَكون، ولأن فيها وَعيدًا للمُكذِّبين؛ ولهذا يُتَوعَّد بالساعة؛ فيُقال مثَلًا: (ساعَتُك عِندي) إذا أَرَدْت أن تُهدِّد إنسانًا تُهدِّده بكلِمة (الساعة)؛ لأنه يَقَعُ فيها حدَث عَظيم.

وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} ولم يَقُل: ويَعلَم متى يَنْزِل الغَيْث، بل قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ} فاختِلاف التَّعبير له مَعنًى عَظيمٌ، وإلَّا فإنَّ هذه الخَمْسةَ كلَّها


(١) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، رقم (٨)، من حديث عمر -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>