للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عِلْم الغَيْب، فإن النبيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَسَّر قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} بهذه الخَمْسةِ، ولفظ الحَديث: "وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ" (١)، لكن في القُرآن يَقول اللَّه تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} فكَيْف نَقول: إنه يُراد بها: (لَا يَعْلَمُ مَتى يَنزِل الغَيْثَ إلَّا اللَّه)؟

نَقول: لأن اللَّه تعالى إذا كان هو الذي يُنزِّل الغَيْث، فلا يَعلَمه إلَّا اللَّهُ تعالى؛ لأنه هو المُنزِّل له، والمُنزِّل للشيء هو الذي يَعلَمه، وغيرُه لا يَعلَمه.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الْغَيْثَ} أي: المَطَر وسُمِّيَ غَيْثًا؛ لأن به تَزول الشِّدَّةُ، والاستِغاثة طلَب إزالة الشِّدَّة، ففي المطَر تَزول الشدائِد، شَدائِدُ القَحْط وشدائِدُ الجَدْب، فيَبقَى الناس عندهم ماء ثُمَّ عِندهم مَزارعُ.

وهناك إِشْكال في قوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} فبَعضُهم يَقول: إنه سيَكون غدًا مطَرٌ في النشرة الجَويَّة، فهل هذا من عِلْم الغَيْب؟

الجَوابُ: لا، ليسَتْ من عِلْم الغَيْب، وأنها تَوَقُّعات بواسِطة الآلات الدَّقيقة التي يَعلَمون بها تَكيُّف الجَوِّ وصلاحيته لأَنْ يَكون مُمطِرًا أم غيرَ مُمطِر، ولهذا أحيانًا لا يَكون الأمر كما تَوقَّعوا، ثُمَّ هُمْ لا يَستَطيعون أن يَتَنبَّؤُوا بالأمطار بعد سَنَوات؛ غاية ما هناك أن يَكون في المُدَّة القَليلة.

قال المُفَسِّر رَحَمَة اللَّهُ: [{وَيُنَزِّلُ} بالتَّخفيف والتَّشديد] (يُنْزل) و (يُنزِّل) وكِلاهما جاء في القُرآن؛ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [البقرة: ٢٢] هذه على قِراءة التَّخفيف، وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا} [غافر: ١٣]


(١) أخرجه البخاري: أبواب الاستسقاء، باب لا يدري متى يجيء المطر إلا اللَّه، رقم (١٠٣٩)، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>