يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الْغَيْثَ} بوَقْت يَعلَمه] هذا هو الشاهِدُ الذي بيَّن به المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ أن المُراد بتَنزيلِ الغَيْث في الوقت الذي يَعلَمه؛ ليَكون هذا من عِلْم الغَيْب.
وقوله تعالى:{وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}: {وَيَعْلَمُ مَا} أي: الذي في الأَرْحام، وعبَّرَ بـ {مَا} لأنها أَعَمُّ وأشمَلُ من (مَن)، إذ إنَّ:(مَن) تَختَصُّ بالعاقِل، هذا من جِهة، ومن جِهة أُخرى: أن {مَا} تَختَصُّ بالصِّفات و (مَن) بالذَّواتِ؛ ألَمْ ترَ إلى قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَا}[النساء: ٣] ولَمْ يَقُلْ: مَن طاب. مع أن المَنكوحة من ذوات العَقْل، ولكنه قال:{مَا طَابَ} دون (مَنْ)، لأن النِّكاح يَرتَكِز على صِفة المَرأة كما قال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ"(١).
وهنا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{مَا} دون (مَن) لأن عِلْم ما في الأَرْحام من حيثُ الصِّفة أَبلَغُ من عِلْمه من حيث الذات، أي: أَبلَغُ من حيث كونه ذكَرًا أو أنثى، فالجَنين الذي في الرَّحِم ليس العِلْم المُختَصُّ به مجُرَّدَ كونه ذكَرًا أو أُنثَى، أو طويلًا أو قصيرًا، أو صغيرًا أو كبيرًا، بل هناك ما هو أَبلَغُ من ذلك، وهو صِفات هذا الجنينِ، هل يَكون شقيًّا أم سَعيدًا، طويلَ العُمر أم قَصير العُمر، وهل عمَله صالِح أو عمَلُه فاسِد؛ ولهذا جاء التَّعبيرُ بـ {مَا} التي يُلاحَظ فيها الصِّفات، لأن عِلْم ما في الأَرْحام من هذه الوِجهةِ أَعظَمُ من كَوْنه ذكَرًا أو أُنثَى؛ ومن هذا ما يَطَّلِعون على عِلْمه بكَوْنه ذكَرًا أم أُنثَى الآنَ فيَعرِفون ذلك قبل أن يُولَد.
(١) أخرجه البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (٥٠٩٠)، ومسلم: كتاب الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، رقم (١٤٦٦)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.