وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} من خَيرٍ أو شَرٍّ]، ولكن الذي يَعلَمه اللَّه تعالى؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ:[ويَعلَمه إلَّا اللَّه تعالى].
وقوله تعالى:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} نَقول في: {نَفْسٌ} مثل ما قُلْنا في (نَفْس) الأُولى: نكرة في سِياق النَّفي فتَعُمُّ كل نَفْس.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} هل هي بأَرْضها التي وُلِدت فيها أو بقَريب منها أو ببَعيد لا تَدرِي، ولا تَدرِي بأيِّ زمَنٍ تمَوت، بل من بابِ أَوْلى؛ لأن المَكان للإنسان فيه اختِيار، فيَختار أن يَكون هنا أو يَختار أن يَكون هناك؛ أو يَختار أن يَكون في محَل آخَرَ ثالِثٍ، لكن الزمَن ليس لك فيه اختِيار؛ فإذا كنت لا تَعلَم المكان الذي تمَوت فيه مع أن لك فيه اختِيارًا فمن بابِ أَوْلى أن لا تَعلَم الزمَن الذي تمَوت فيه.
وهذه من حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: أَنْ أَخفَى على الإنسان اليومَ الذي يَعلَم أنه يَموت فيه أو المكان الذي يَعلَم اللَّه تعالى أن الإنسان يَموت فيه؛ لأن الإنسان لو عَلِم بهذا لقَلِقَ في حَياته؛ فما يَكون هَمُّه إلَّا حِسَاب ما بَقِيَ؛ أي: ما بَقِي إلا كذا وكذا من السنَوات أو من الأَشهُر أو من الأيام، ويَتعَب تَعَبًا عظيمًا.
لكن الآنَ كلُّ يومٍ يَجيء على الإنسان يُؤمِّل فيه وقد يَكون الأجَلُ أَقرَبَ من شِراك نَعْله؛ لكِنِ المُهِمُّ أن عنده أمَلًا في الطول، ولا يَلتَفِت إلى هذه المَسأَلةِ إطلاقًا؛
(١) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة، انظر: ديوانه (ص ٧٠).