للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنه يَعلَم أنه لا عِلمَ له فيها، وأن عِلْمها عند اللَّه، وهذا من رحمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِنا.

وهل الإنسانُ يُقَدِّر أنه يَموت بالأرض الفُلانية؟

الجَوابُ: قد يُقدِّر هذا، وأحيانًا إذا قيل له: ألَا تُسافِر؟ قال: أبدًا أنا بلَدي فيها أَحْيا وفيها أَموتُ، ولكن عند قُرْب أَجَله يُسافِر، فتَحصُل له حاجة حتى يُحمَل إلى الأرض التي يَموت فيها.

وأنا أَعرِف رجُلًا ما خرَج من بَلَدِه عنيزةَ أبدًا منذ سنَوات بعيدة، ولمَّا مَرِضَ قُدِّر أن يَكون عِلاجُه في مِصرَ، وهو ما خرَجَ من عنيزةَ عُمرَه إلَّا أَظُنُّه للحَجِّ مرَّةً ولا عِنده نِيَّة، فكَبِر وانتهى عُمُره، لكن سُبحانَ اللَّهِ! لمَّا أَراد أن يَنقُله اللَّه تعالى إلى أَرْضه التي يَموت فيها نُقِل إلى مِصرَ ومات هناك.

وأَعرِفُ أُناسًا كَثيرين نُقِلوا إلى أماكِنَ بَعيدة ما كانوا يَحلُمون أنهم يَذهَبون إليها، وهناك قِصَّة حدَّثَني بها الثِّقة في المرأة المريضة التي رجَعوا بها من الحجِّ، ولمَّا كانوا في الريع -الجِبال المُحيطة بالحِجاز- ونزَلوا ليلة من الليالي، فلَمّا أَصبَحوا حمَلوا إِبلَهم على أنهم سيَمْشون، وهذا الرجُلُ كان معه أُمُّه مَريضة فتقِيَ ليُوطِّئ لها المكانَ على الراحِلة، فمَشَى الناس وهو في مَكانه، ولمَّا أَنهَى ما أَحَبّ أن يُنهِيَه من تَوْطِئة الرَّحْل لأُمِّه وركِبَت مشَى فضَيَّعهم، لم يَعرِف أين ذهَبوا؛ فدخَل في الريع وظلَّ يَمشِي ويَمشِي ولا يَسمَع حِسًّا ولا حولَه أحَدٌ حتى وصَل إلى خِباءٍ -خِدْر صَغير لبَدْوٍ- ونزَل عِندهم وسأَلَهم عن الطريق قالوا: الطريق وراءَك؛ فقال: سأَرْتاح قليلًا؛ فلمَّا نزَل-سُبحانَ اللَّه العَظيمِ- ونزَّل والِدتُه ماتَتْ في ذلك المَكانِ الذي ما كان هو ولا غيره يَقدِر أن يَأتِيَ إليه، لكن من أَجْل أن تُحمَل هذه المَرأةُ إلى أرضِ مَوْتها حَصَل ما حَصَل من الأسباب.

<<  <   >  >>