وهكذا أيضًا تَجِدون الحوادِثَ الآنَ؛ فالإنسان في البلَد لا يُقدِّر أنه سيَموت في مَكان ما من البَرِّ، ولكنه يُنقَل إلى المكان الذي يَموت فيه، حتى إنه يَموت في المكان بالضَّبْط على نفس حَبَّات التُّراب التي قُدِّر أن يَموت فيها، وهذا أَمْر مُشاهَد.
وفي الزمَن كذلك: لا يَدرِي الإنسان متى يَموت، رُبَّما يَتأخَّر لحَظاتٍ من أَجْل أن يَستكمِل زمَنه ومُدَّته، وهذا له شَواهِدُ؛ منها أيضًا ما حصَل في عنيزةَ: أن رجُلًا جاءَ بسَيَّارته مع الطريق العامِّ، وهناك شَابَّان على (دبَّاب)(دَرَّاجة نارَّية) قد أَتَيا من طريق آخَرَ مُعتَرِض، فلمَّا قرُب الكُلُّ من نِهاية نُقْطة المُلاقاة وقَفَ كلٌّ منهم يَنتَظِر أن يَعبُر الآخَرُ؛ فقال الآخَرُ: سأَمشِي فمشَوْا جميعًا فصَدَمت السيَّارة المُؤخَّر من (الدبَّاب) الذي فيه الشابَّان وماتا في الحال؛ فلماذا وَقَف هذه الوَقْفة التي هي لحظات؟ الجوابُ: من أَجْل أن يُستكمَل الزمَن المُحدَّد.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ويَعلَمه اللَّه تعالى {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} بكُلِّ شيء {خَبِيرٌ} بباطِنه كظاهِره] وأيُّهما أخَصُّ: الخبير أو العَليم؟
الجَوابُ: الخَبيرُ أَخَصُّ؛ لأن العِلْم يَتعَلَّق بالظاهِر والباطِن، والخِبْرة تَتَعلَّق بالباطِن؛ ولهذا قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{خَبِيرٌ} بباطِنه كظاهِره]؛ لأن العليم بالباطِن من بابِ أَوْلى أن يَكون عَليمًا بالظاهِر.