للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأن هذه بعِلْم الغَيْب التي لا يَعلَمها إلَّا اللَّه تعالى يَدُلُّ على أنه لا يَعلَم ما في الأَرْحام إلا اللَّه تعالى.

فإن قال قائِل: لماذا لم تكن بهذه الصّيغةِ: (ولا يَعلَم ما في الأَرْحام إلَّا اللَّه)؟

فالجَوابُ -واللَّهُ أَعلَمُ-: أنه لمَّا كان عِلْم الأَجِنَة قد يُتَمكَن منه ببعض الأَحْوال قال: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ}.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أن الإنسان لا يَعلَم الغَيْب في المُستَقبَل، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} فإذا كانت يَقصِد بـ (ماذا تكسِب) هو نَفسه، فما يَقدِر عليه إلا اللَّه تعالى فجَهْله به من بابِ أَوْلى، وما يَكسِبه غيرُه فجَهْله فيه من بابِ أَوْلى، وعلى هذا فلوِ ادَّعَى مُدّعٍ أن اللَّه تعالى يُقدِّر على هذا الرجُل كذا وكذا فإننا نَجزِم أنه كاذِب؛ لأنه لا يَعلَم ما في غَدٍ إلا اللَّهُ تعالى.

ولما قالَتْ إحدى النِّساء في حَضْرة النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "وَفِينَا نَبِيٌّ يَعلَم ما في غَدِ" نَهاها الرسولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قُولي ببَعْضِ ما تَقولينَ" (١)؛ وهذا لا يَجوز على الرسولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا غيرِه أن يُدَّعَى أنه يَعلَم ما في الغَيْب.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أن الإنسان لا يَدرِي بأيِّ أَرْض يَموت؛ لقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.

الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: هل يُقال: إنه لا يُمكِن أن يَموت أحَد فَوقَ الجاذِبِية في فضاء؟ فيه احتِمال؛ لكنه ضَعيف؛ لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال: {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} قد يَكون هذا مَبنيًّا على الغالِب مع أن لدَيْنا آيةً في القُرآن يَقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فيها: {فِيهَا تَحْيَوْنَ


(١) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، رقم (٤٠٠١)، من حديث الرُّبَيِّع بنت معوذ -رضي اللَّه عنها-.

<<  <   >  >>