للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٦ - ومنها: أن يَستَهزِئ بمَن تمَسَّك بالسُّنَّة، لا لشَخْصه ولكن لعمَله، وهي كثيرة حتى إنَّ بعض أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ يَقول: إنَّ الإنسان إذا صلَّى وهو محُدِث، فهذا استِهْزاء بآيات اللَّه تعالى؛ ويَقول: إنه إذا عمِل مُبطِلًا من مُبطِلات العِبادة فهو مُستَهزِئ بآيات اللَّه تعالى.

وعلى كل حال: كل مَن حوَّل آياتِ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى هُزءٍ بالقَوْل أو بالفِعْل أو بالهَيْئة، فإنه يُعتبَر مُتَّخِذًا لها هُزؤًا.

والاستِهْزاء بآيات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ليس بالأمر الهَيِّن، حتى إنَّ أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ يَقولون: مَن قال كُفْرًا أو فعَل كُفْرًا ولو هازِلًا فإنه يَكفُر، واستَدَلُّوا لذلك بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: ٦٥ - ٦٦].

قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}: (أُولاءِ) اسمُ إشارة للجَمْع، مع أن الضمائِر التي قَبلها للمُفرَد {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي} {لِيُضِلَّ} {وَيَتَّخِذَهَا} فهي للمُفرَد، وهنا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَهُمْ} جمع؛ لأن {مَنْ} اسم مَوْصول تَصلُح للمُفرَد والجماعة، فإن أَفرَدت ما يَعود عليها صِرْت مُتَّبِعًا للَهْوهم، وإن جمَعْته فأنت مُتَّبع لمَعناه.

ويَجوز أن تُراعِيَ لفظها أو مَعناها في كل الكلام ويَجوز أن تُغيِّر، انظُرْ إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} كل هذا على سبيل الإفراد التاج للَّفْظ {خَالِدِينَ فِيهَا} هذا باعتِبار المَعنَى، {قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: ١١] باعتِبار اللَّفْظ، فهي آية واحِدة ومع ذلك غُيِّرت فيها الضمائِر من مُراعاة اللَّفْظ إلى مُراعاة المَعنَى إلى مُراعاة اللَّفْظ.

<<  <   >  >>