للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}: {أُولَئِكَ} أي: الذين يَفعَلون هذا الفِعْلَ {لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} أَتَى بـ {لَهُمْ} -وهو الخبَر- قبل المُبتَدَأ لإفادة الحَصْر، وأَتَى بالجُمْلة الاسْمِية {أُولَئِكَ لَهُمْ} لإفادة الثُّبوت والدوام والاستِحْقاق لهذا العَذابِ.

وقوله تعالى: {لَهُمْ عَذَابٌ} العَذاب بمَعنَى: العُقوبة، و {مُهِينٌ} أي: ذو إِهانة. يَعنِي: يُهينهم -والعِياذ باللَّه- فلمَّا كانوا يَستَعِزُّون بأنفُسهم، ويَسخَرون بآيات اللَّه تعالى حتى يَضَعوها عن مَكانها اللائِق بها عُوقبوا بمِثْل جِنايتهم، ودائِمًا: الجزاء من جِنْس العمَل في الدُّنيا والآخِرة، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} وزِيادة بعدها: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧] قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" (١) مِثْلًا بمِثْل، وعلى هذا فقِسْ.

فالجَزاءُ من جِنْس العمَل، فهذا الرجُلُ الذي اتَّخَذ آياتِ اللَّه تعالى هُزوًا غرَضُه من ذلك أن يَضَعها بين الناس، وأن يَجعَلها مَحلَّ سُخرية، غير مَعبوءٍ بها، ولا مُهتَمٍّ بها، فصار جَزاؤُه -والعِياذ باللَّه- أن اللَّه تعالى يَجزيه بالعَذاب المُهين الذي يُهينه ويُذِلُّه.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: ذَمُّ مَن يَرْكَن إلى لَهْو الحَديث، وهو ما لا خَيرَ فيه؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي. . .} إلى آخِره.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تَحرِيم الغِناء؛ لِأنَّ ابنَ مَسعود -رضي اللَّه عنه- أَقسَم بالذي لا إلهَ إلَّا هو


(١) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ١٦٠)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم (٤٩٤١)، والترمذي: كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الناس، رقم (١٩٢٤)، من حديث عبد اللَّه ابن عمرو -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>