للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنَّه الغِناء، وتَفسيرُ الصحابيِّ حُجَّة، حتى ذهَب الحاكِم وجماعة مِن أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ إلى أنَّ تَفسيرَه في حُكْم المَرفوع، ولا شَكَّ أنَّ الغِناء المُشْتَمِل على آلَةِ اللَّهْو لا شَكَّ أنَّه حرام؛ لأن نَفْس آلة اللَّهْو حرام، قرَنَها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالزِّنا والخَمْر والحرير، فقال -كما في صحيح البخاري مِن حديث أبي مالِك الأشعريِّ -رضي اللَّه عنه-: "لَيَكُونَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَسْتَحِلُّونَ الحرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ" (١) فكلِمة "يَسْتَحِلُّونَ"، دليل على أنَّها حرام، واستِحْلالهم لها إمَّا باعتِقادِهم أنَّها حلال، وإمَّا بفِعلِهم إيَّاها فِعلَ المُسْتَحِلِّ لها الذي لا يُبالي، والمَوجود الآنَ الأمران، فإنَّ مِن الناس مَنِ استَحَلَّ هذه المَعازِفَ -والعِياذ باللَّه- وقال: إنها حلال، ومنهم مَن يَعتَقِدُ تَحريمها، لكنه يَفعَلها فِعْل المُستَحِلِّ لها بدون مُبالاة.

ولا يَغُرَّنَّكُم ما وقَع فيه الناس اليومَ مِن الانهِماك بِها، فإنَّه أَصبَحَ لها تأثيرٌ عظيم على قُلوبِهم ودِييهم وسُلوكِهم، وانظُرْ إلى المُبْتَلَيْنَ بهذا الأمرِ -والعِياذُ باللَّه- يَكون ما هَمُّهُم إلَّا هذا الأَمرُ، وهُم أَبْعَدُ الناس عن مَعرِفة القُرآن والسُّنَّة ومَواعِظ القُرآن والسُّنَّة.

ولهذا ذَكَر بعضُ أهل العِلْم رَحِمَهُم اللَّهُ أنَّه لا يَجتَمِع حُبُّ الغِناء، وحُبُّ كِتابِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قال ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ:

حُبُّ الْكِتَابِ وَحُبُّ أَلحَانِ الْغِنَا ... فِي قَلْبِ عَبْدٍ لَيْسَ يَجْتَمِعَانِ (٢)

ولهذا قال هنا: {يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.


(١) أخرجه معلقًا البخاري: كتاب الأشربة، باب فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، رقم (٥٥٩٠)، من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري -رضي اللَّه عنه-.
(٢) النونية (ص ٣٢٦).

<<  <   >  >>