وقوله تعالى:{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{أَنْ} لا {تَمِيدَ} تَتَحرَّك {بِكُمْ}] فقَدَّر (لا) النافية بعد (أَنْ)، وهذا مَوْجود، فإنَّ (لا) النافيةَ قد تُقدَّر بعد (أَنْ) مع حَذْفها؛ وقد تُوجَد بعد (أَنْ) وهي زائِدة مثل قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}، فهنا (لا) زائِدة بعد (أَنْ)، والتقدير: لأَنْ يَعلَم أهل الكتاب أَنْ لا يَقدِرون.
وقد تُحذَف وتَكون مُقدَّرة كما في هذه الآيةِ: أن لا تمَيد بكم؛ لأنّهُ مِن المعلوم أنَّ اللَّه تعالى ما أَلقَى هذه الرواسِيَ لِأَجْل أن تَميدَ بنا، وإنما أَلقاها لئَلَّا تَميد، فتكون (لا) هنا عَيَّنَها السِّياق.
وقال بعض المُعْرِبين: أنه لا تُقدَّر (لا)، بل يُقدَّر اسم مُناسِب، أي: كراهةَ أن تَميدَ بكُمْ، نعَمْ، وقالوا: إنَّ هذا أَوْلى؛ لئلا نُفسِّرَ الإثباتَ بالنفي؛ لأننا إذا قلنا: التقدير: أن لا تَميد بكم. فسَّرنا الإثباتَ بالنفي، فإذا قُلْنا: كراهةَ أن تَميد بكم. فإننا نُفسِّر الإثباتَ بإثباتٍ، لكن على تَقدير المُضاف.
وهذا له نظير مِثْل قوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦]، فالبَيان هنا سبَبٌ لِعدَم الضلال، إِذَنِ المَعنَى: يُبَيِّن اللَّه تعالى لكم كراهةَ أن تَضِلُّوا، على قول، أو أَنْ لا تَضِلُّوا، على قولٍ آخَرَ.
والصواب: أنَّ المَيَدان حرَكة خاصة، وهو الاضطِراب، وليس مجُرَّد الحرَكة، فاللَّهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أَلقَى في الأرض رَواسِيَ حتى لا تمَيدَ؛ أي: لا تَضطَرِب، وذلك لأنَّ الأرض مَوْضوعة على الماء، فإنَّ جميع جوانب الأرض من كل ناحية ماء،