للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣)} [يس: ٧١ - ٧٣] هذا نَفْع.

ومِنها ما هو ضارٌّ، والحِكْمة مِن خَلْق الضارِّ كثيرة مِنها:

١ - بيانُ كَمالِ قُدرةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حيث كان قادِرًا على أن يَخلُقَ ما فيه مَنفَعة ومَصلَحَة، وما فيه مَضرَّة، فالكلُّ خَلْقُ اللَّه تعالى، والكُلُّ دَابَّة، والكلُّ مِن مَاء، ومع ذلك هذا نافِع وهذا ضارٌّ، هل العَقْرب أكبَرُ أمِ البَعير؛ ولا يَحتاج أن أَقول: إن البعير أكبَرُ. لكن مع ذلك العَقربُ مؤذِيَة ضارَّة والبعِير بالعَكْس، تَجِد البعير يَأتي الطِّفْل الصغير يَقوده لمِا يُريد، فتَمشِي معه، وهذه حِكْمة.

٢ - أنَّ الإنسان يَعرِفُ بذلك قَدْرَ نفسِه؛ فإذا الإنسانُ المُتَمَرِّد المُستكبِر يَعرِف قَدْر نَفْسه في هذه المَخلوقاتِ المُؤذِية؛ ولهذا يُقال: إن مَلِكًا جبَّارًا كان جالِسًا وحولَه مِن أهل العِلْم مَن حَولَه، فكان يَقول: ما الحِكْمة مِن خلْق هذه الذُّبابةِ؟ فقال له رجُل: الحِكْمة مِن ذلك أن يُرغِمَ اللَّه تعالى بها أُنوف الجبابِرة مِثلك، فهذه الذُّبابةُ تَقَع على أَنْف أيِّ إنسان وتَذْرِق عليه، فهذا من الحِكْمة: أن يَعرِف الإنسان قَدْر نفسِه، وأنَّه ضعيف بالنِّسبة إلى قُوَّةِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فالبَعوضة ليست بشيء، ضَعيفة مَهِينَة، ومع ذلك تُقِضُّ مَضْجِع الإنسان حتى لا يَنام، فهذا مِن الحِكْمة.

٣ - أنَّ الإنسان يَذوق الألَم بها والعَذاب حتى يَعرِف أنَّ العذاب غير مُلائِم له، فيُوجِبُ له ذلك النُّفورَ مِن مَعصية اللَّه إلى طاعة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

٤ - أنَّ الإنسان ربما يَحمِله الخوف منها على أن يَقومَ بما يَنبَغي أن يَقومَ به مِن الأوراد والأذكار، فكثيرٌ مِن الناس قد يُورِد ويَقرَأ ما يَعصِمه مِن الأذى ليس بسبَب شَياطين الجِنِّ، ولكن خوفًا ممَّا يُؤذيه حِسًّا، وهذا شيء مجُرَّب ومُشاهَد.

<<  <   >  >>