للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حكَى لي بعض الناس الثِّقات أنَّه كان مِن عادتِه أن يَقرَأ آية الكُرسيِّ كلَّ ليلة يَقول: فنَسِيتها ذاتَ ليلة فلُدِغْتُ بعد النوم. لُدِغ لأنَّه ليس عنده مِن اللَّه تعالى شيءٌ حافِظ، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَمَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ" (١).

هذه مِن الحِكَم: أن اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بَثَّ في الأرض مِن هذه الدوابِّ المُؤذِية.

أمَّا ما لا نَفعَ فيه ولا ضرَرَ من الدواب فإنَّ الإنسان يَستَدِلُّ به على حِكْمة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وأنه محُطٌ بكل شيء، تَجِد هذه الدوابَّ على كَثْرة أنواعها لا تَستَطيع أن تُحصِي أنواعَها فَضْلًا عن أفرادِها، فما بالُك وقد أَعطاها اللَّه تعالى الهِداية لما هو مِن مَصالحِها؟ ! قال موسى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمَّا قال له فِرعونُ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (٤٩) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: ٤٩ - ٥٠].

وأنت إذا رأَيْت هذه النَّملةَ الصغيرة كيف هَداها اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى مَصلَحتِها ومَنفَعتِها؟ كيف تَدَّخِر القُوتَ لها؟ وكيف تَجْلُبُه مِن بعيد؟ وكيف تُكَسِّر أطراف الحُبوب؟ السِّرُّ الذي مِنه تَنْبُت تُكَسِّرُه قبل أن تَختَزِنه، حتى لا يَنبُت؛ لأنَّه إذا جاءَه المَطَر والنَّدى فإنه يَنْبُت، لكن إذا كُسِر أَعلاه الذي هو سِرُّه الذي يَنبُت مِنه فإنَّه لا يَنبُت، مَن الذي أَلَهمَها ذلك؟ هو اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هي ما درَسَت في مَدارِسَ، ولا تَخرَّجت في الثانوية، ولا قرَأَت في كُلِّيَّة العُلوم، لكنَّ اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي عَلَّمها ذلك.

وقد شاهَدْتُ أنا عندما تَسقِي النَّخلة وحولها ذَرٌّ ويَأتِي النَّدى إلى أولادها؛


(١) أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلًا فترك الوكيل شيئًا، رقم (٢٣١١)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.

<<  <   >  >>