للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَخرُج بأولادها حامِلةً لهم -وأولادها بَيْض لم يَحْيَ بعدُ إلى الآنَ- تَجِد كل واحدة مِنهم حامِلة ولَدها تَخرُج به عن هذا الماءِ؛ حتى لا يُصيبَه أو يُهلِكَه، وهذا مِن آيات اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، يَتَبَيَّن بِه الإنسان حِكْمة اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنَّه واسِع عليم، وأنه بكل شيء مُحِيط، وأنه لا يَخفَى عليه شيء في الأرض ولا في السَّماء.

وقد ذكَر ابنُ القيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ في (مِفتاح دار السعادة) (١) مِن هذه الأمورِ أشياءَ عَجيبةً، وذَكَرَ أنه ذُكِرَ لِشيخِ الإِسلام ابنِ تيميَّةَ رَحِمَهُ اللَّه أنَّ رجلًا وَضَعَ شيئًا من الطُّعْم لِذَرَّة مِن الذرَّات، فلما رأَتِ الطُّعْم هذا لم تَستَطِع أن تَحمِلَه فهو كبير، فذهَبَت إلى أخواتها، فاستَصْرَخَتْهم، فجاؤُوا إلى هذا المكانِ، يَقول: فلما أَقبَلوا نَزَعَ الطُّعْم، فجعَلوا يَبحَثون في مَكان فلم يَجِدوا شيئًا فرَجَعوا، فوضَعه ثانِيةً، فلمَّا وجَدَتْه الذَّرَّة ذهَبَت إلى أخواتها فاستَصْرَخَتْهم فجاؤُوا, ولكن لمَّا أَقبَلوا رفَعَه، فلَمَّا لم يَجِدوا شيئًا رجَعوا، في المرة الثالثة فعَل بهم كذلك، يَقول: فاجتَمَع الذَّرُّ عليها فقتَلوها.

وقال شيخُ الإِسلام: هذا لأن جميع النُّفوس مَجبولة على بُغْض الكذَّاب الظالمِ، وهذه لمَّا كذَبَتْ عليهم ظلَمَتْهم، فأَخَذَتْهم من بُيوتهم وهم في تعَب وعَناء، والنتيجة لا شيءَ، وهذا شيءٌ عظيم؛ فإذا تَأمَّل الإنسان هذه الأُمورَ يَجِد العجَب العُجاب! سبحان اللَّه!

وهو سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا} يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [فيه التِفات من الغَيْبة] إلى المُتكَلِّم؛ وقد سبَقَ لنا أنَّ الفائِدة في الالتِفات: تَنبيهُ المُخاطَب أو القارِئ؛


(١) مفتاح دار السعادة (١/ ٢٤٣).

<<  <   >  >>