للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّه إذا تَغيَّر أُسلوب الكلام لا بُدَّ أن يَنتَبِه، وهنا الفائِدة الثانية في هذا: بَيان القُدرَة أنَّ الأرض مُفْتَقِرَة إلى السماء.

وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهو المَطَر، والمُراد بالسماء هنا العُلُوُّ؛ لأن المطَر ليس يَنزِل مِن السماء التي هي السَّقْف المحفُوظ، وإنما يَنزِل مِن العُلُوِّ.

وقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا} في الأرض {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} صِنْف حَسَن] (صِنْف) تَفسير لـ {زَوْجٍ}، و (حَسَن) تَفسير لـ {كَرِيمٍ}، وعِندي أن الكريم هو الحسَن وزِيادة، وهو ما يَنتَفِع الناس به مِن هذا النباتِ، كأنَّه رجُل مِعْطَاءٌ يُعطِي ويُغدِق هذا الخيرَ فهو نَبَاتٌ حَسَن، ومع ذلك نافِع بسبَب ما فيه، والزوج يَأتي بمَعنَى: الصِّنْف، ومنْه قوله تعالى: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (٥٨)} [ص: ٥٨] ومِنه قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: ٢٢]، أي: أَصنافَهم وأَشكالهَم. واللَّه أَعلَمُ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: إثباتُ خلقِ اللَّه تعالى لِلسَّموات.

ويَتَفرَّع على هذه الفائِدةِ: إبطالُ قولِ الفلاسِفة في قِدَم الأفلاك، فالفلاسِفة يَقولون: إنَّ الأفلاك قَديمة، وأنها لا تَتَغيَّر؛ لأنَّ القديم عندهم الذي لا ابتِداءَ له، ومَا لا ابتِداءَ له لا انتِهاءَ له، فيَكون في هذا إبطالٌ لِقولِ الفلاسِفة: إن الأفلاك قديمة وإنَّها لا تَتَغَيَّر. ومِن ثَمَّ أَنكَرُوا انشِقاقَ القمر إنكارًا شديدًا، وقالوا: القمَرُ لا يُمكِن أن يَنشَقَّ؛ لأنَّه مِن الأفلاك، وإنَّما مَعنَى قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)} [القمر: ١]؛ أي: بَانَ صِدْقُ الرِّسالة، وأَنكَرُوا الأحاديث الوارِدة في ذلك والتي تَلَقَّتْها الأُمَّة بالقَبُول.

<<  <   >  >>