للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيانُ قُدْرةِ اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في خَلْقِ هذه السمَواتِ العَظيمة؛ قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)} [الذاريات: ٤٧].

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيَانُ القُدرة مِن وجهٍ آخَرَ، وهي أنَّ هذه السمَواتِ العَظيمةَ والسَّقْف الواسِع بغير عَمَد؛ لقوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}، وأَظُنُّنا لو رأَيْنَا بِناءً واسِعًا ليس فيه أَعمِدة لَكُنَّا نَتَعَجَّب مِن هذا البِناءِ، كيف هذا البِناءُ الواسِع ليس فيه عَمَد؟ ! معَ أنَّ بِناء السَّماء أَوْسَع وأَعظَمُ، ومعَ ذلك بغير عَمَد.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: بَيَانُ حِكْمَة اللَّهِ ورحمتِه في إلقاء الرَّواسِي؛ لئَلَّا تَميدَ بالخَلْق.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الأرض تَدور، يَقولون: لأن قولَه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} يَدُلُّ على وجود أَصْل الحرَكة؛ لأنَّ نَفْيَ الأخَصِّ يَدُلُّ على وُجُودِ الأَعَمِّ، أَلَمْ تروْا إلى قولِه تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} حيث كان دليلًا على وُجود أَصلِ الرُّؤية! فقولُه تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ألَيْس دَليلًا على أنَّ الرؤية مَوْجودة! وهذه الآيةُ استَدَلَّ بها أهلُ السُّنَّة على إثباتِ رُؤْيَة اللَّه تعالى، وأهلُ البِدْعة على نَفي رُؤيةِ اللَّه تعالى، ولكن الصواب مع أهل السُّنَّة؛ لأنَّ نَفْيَ الأخص يَقتَضِي وُجودَ الأعمِّ، إذ ليس مِن المَعقول أن يُنْفَى الأخصُّ مع انتِفَاءِ الأعمِّ، ثُم لا يُتَطَرَّقُ لَهُ؛ ولو كان الأخصُّ مُنْتَفِيًا لوَجَب أن يُنْفَى الأعمُّ لِأَجْل أن يَدْخُل فيه الأخصُّ، لو كان اللَّه تعالى لا يُرَى لقال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: لا تَراه الأبصار. حتى تَنْتَفي الرُّؤية ويَنتَفِيَ الإدراك مِن بابِ أَوْلى، فلَمَّا قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ} عُلِمَ أنَّ أصل الرؤية مَوجُود، لكنَّه لا يُدْرَك عَزَّ وَجَلَّ؛ وهنا لمَّا قال تعالى: {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} والمَيَدَان الاضطِراب عُلِم أنَّ أصلَ الحَرَكة مَوْجود، لكن هذه الرَّواسيَ لأَجْل اتِّزان الحرَكة حتى لا تَضطَرِب. هذا هو تَقدير مَن يَرَى أنَّ في الآية دَليلًا على أنَّ الأرض تَدور.

<<  <   >  >>