للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا الذين يَقولون: فيها دليل على أن الأَرْض لا تَدُور. فتقولون: إننا لا نُسَلِّم أن المَيَدَان مَعناه: الاضطِراب، بل نَقول: إن المَيَدَان هُو الحرَكة، قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أن تَرسوَ ولا تَتَحَرَّك، فيُفسِّرون المَيَدَان بِمُطْلَق الحرَكَة.

وإذا كان الأمرُ كذلك، فإنَّ الواجب أن نَرجع إلى اللغة العربية، فإذا كانت اللغةُ العربية تَدُلُّ على أنَّ المَيَدَان هو الاضطِراب، فنحن نَقول: إنَّ فيها دليلًا على وُجُود أصلِ الحرَكة. وإذا كانت اللغة العربية تَقول: إنَّ المَيَدَان هو الحرَكة. فإننا نَقول: فيه دليل على أنَّها لا تَدُور. ونحن إذا قُلْنا: إنَّها تَدور لا يَنقُصُ اللَّه تعالى شيئًا، بل هو في الواقِع زِيادة في قُدْرَتِه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حيث تَدور هذِه الأرضُ بجَميع ما فيها مِن بِحَار وأنهَار وأَشْجار ومَدَر وحَجَر وكُلِّ شيء تَدُور، ومَع ذلك بهذا الاتِّزَانِ البَدِيع الذي لا يَتَغَيَّر، هذا دليل على قُدْرة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، كما أنَّ سكونَها وهي على الماء دليل على قُدْرَة اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

لكن الشَيْء الذي يَجِب أن يُنْكَر -حتى يَتبيَّن لنا كالشمس- هو القول بأنَّ اخْتِلاف اللَّيل والنَّهار بسبب دَوَران الأرض، فهذا لا نُسَلِّم به، بل نَقول: إنَّ الليل والنهار بسبَب دَوَرَان الشَّمس على الأرْض؛ لأنَّ هذا هو ظَاهِرُ القُرآن، ولا يُمكِن أن نَتَزَحْزَح عَنْه إلَّا بدليل فيه مِثل الشمس.

فإنَّ اللَّه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أَثبَت الفِعْل لِلشَّمْس: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: ١٧]، ولم يَقُل: إذا طَلَع الكهفُ عليهم يَتزَاوَر، وأَثبَت {تَزَاوَرُ} ولو كانت الحرَكة للأرض لكانَت الأرض هي التي تَزَاوَر، {وَإِذَا غَرَبَتْ} هذا الفِعلُ الثالِث، ولو كانت الأرض هي التي يَكون بدورانها اختِلاف الليل والنهار لقال: وإذا غرَبَتِ الأرض، أو خَفِيَ جُزءُ الأرض. أو ما أَشبَه ذلك؛ و {تَقْرِضُهُمْ}

<<  <   >  >>