للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَفْس الشيء: فِعْل، والنبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لمَّا غرَبَتِ الشمس قال لأبي ذَرٍّ -رضي اللَّه عنه-: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ " (١) فأَخبَر أنها تَذهَب هي بنفسِها.

وهذا هو الصواب بلا شكٍّ، إلَّا إذا ظهَر لنا دَلِيل مِثْل الشمس، فإنَّه يُمكِن أَنْ تُؤَوَّل هذه الآياتُ إلى أن المَعنَى: غَرَبَت وطَلَعَت باعتِبارِ رُؤية الرَّائِي، وإن كان الرائِي هو الطالِع، فأنت تَسِير في سيارة، وفي سَيْرك طلَع عليك مثلًا ناقةٌ تَقول: بينما أَسير إذ طلَعَت عليَّ ناقة؛ فتَقول: طلعَت علينا. مع أنَّك أنت الطالِع عليها، هذا مُمكِن لُغةً، لكنَّا ما دُمْنا لم نَتَيقَّن هذا الأمرَ، وإنما هي نظريَّاتٌ مِن قومٍ لا يُؤْمِنون بالقرآن، ولا يُؤمِنون بالشرائِع، فإننا لا نَقْبَلُ ذلك مِنْهَم، بل نَأخُذ بظاهر كلامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فإِن قال قائِل: إن قولَكم هذا يُناقِض قولَكم بإمكانِ دَوَرَانِ الأَرْض، يَعنِي: إذا أَمكَن دوَران الأرض لزِم أن يَكُون تَعَاقُب الليل والنهار بِسبَب دَوَرَانها.

فالجَوابُ: إن هذا لا يَلزَمُنا؛ لأنَّه مِن المُمْكِن أن يَدُور هذا وهذا، ويكون حَرَكَةُ الشمس ودورانُها أسرَعَ، وإذا كان أسرَعَ لَزِم مِن ذلك أن تَطُوفَ بِالأَرْض ولَو مَعَ دَوَرَانِ الأرْض، يَعنِي: يُمكِن أن تَكون الأرض تَدور قليلًا وهذه تَكون أكثَرَ، فيُمكِنُها أن تَلُفَّ علَى الأرض.

فالحاصِلُ: أنَّ هذه المَسائِلَ لا شَكَّ أنَّ الواجِب على المُؤْمِن أن يَأخُذ بِظاهِر القُرآن والسُّنَّة، فإن هذا الواجِبَ في الأمور الغَيْبية وفي الأمور التي لا يُمكِن إدراكُها حِسًّا، ثُمَّ إذا تَبيَّن له بعد ذلك بِالحِسِّ أنَّ ظَاهِر القُرآن غَيْرُ مُرَاد، فإنَّنا يَجِب علينا


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم (٣١٩٩)، ومسلم: كتاب الإيمان, باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (١٥٩/ ٢٥٠).

<<  <   >  >>