للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن نُؤَوِّل ظاهِرَ القرآن؛ لأنه لا يُمكِن أن يَتَعَارَض القرآن مَع الوَاقِع، فمُستَحِيل هذا، ولو أننا جَوَّزْنا ذلك عَقْلًا لَلَزِم أن يَكُونَ في القرآن ما هو كَذِب؛ لأنَّ الكَذِب هو خِلاف الواقِع، وهذا أَمْر مُستحيل.

ولذلك يَجِب علينا أمام هذه النَّظَرياتِ أن نَجعلَها كأحاديث بَنِي إسرائيلَ:

أوَّلًا: ما وافَقَ القُرآن فهو حَقٌّ وأخَذْنَا بِه، ولكِنَّنَا لا نَأخُذ به على أنَّه هو الذي أَثْبَتَه، بل على أنَّ القرآن هو الذي أَثْبَتَه، وإنما نَقول ذلك: لِئَلَّا يَكُون لهم الفَضْلُ علَيْنَا.

ثانيًا: مَا خَالَفَ القُرآن وَجَبَ عليْنَا رَدُّه.

ثالثًا: ما لا نَعلَمُ مُوافَقَتَه لِلقرآن ولا مُخالفتَه فهذا العَقلُ والشَّرْع يَقتَضِي أن نَتَوَقَّف، ونَقُول: إننَا لا نُصَدِّق ولَا نُكَذِّب. وحينئَذٍ يَحتاجُ الإنسان طَالِب العِلْم إلى أن يَتَعَمَّق ويَتَأَمَّل ويَنْظُر نَظَرًا عَمِيقًا جِدًّا في نُصُوص الكِتاب والسُّنَّة، حتى لا يَحْكُمَ بِأنَّ الوَاقعَ يُخالِفُها، فيَكونُ في ذلك رَدُّ فِعْلٍ لمَن لا يُؤْمِنُ بالإِسلام.

فمثَلًا لو أنَّ أحدًا أَنْكَر مِثْل هذه النَظَرِّياتِ بِدون تَأَمُّلٍ في دَلالة الكِتاب والسُّنَّة، كما يَفعَل بعض العامَّة فهذا -للحقيقة- ليس مِن خِدْمَةِ الإِسْلام، هذا كأَخْذ الإنسان خِنْجَرًا بيدِه وطَعَنَ بِه صَدْرَه وهو لا يَشْعُر، فالواجِب تُجَاه هذه الأُمورِ كما قُلْت لَكُم: أن نَعْرِضَهَا على الكِتَاب والسُّنَّة، فَمَا وافقَ الكِتَاب والسُّنَّة فهو حَقٌّ؛ لِكونه وافَق الكِتَاب والسُّنَّة، وما خالَفَهما فهو بَاطِل، وما لا تُعْلَم مُوَافَقَتُه ولا مُخَالَفَته فالواجِب فيه التَّوَقُّف وأن يَقول الإنسان: إن تَبَيَّن لي بِحَسَب إدراكِي -وإن كان عِلْمي قاصِرًا في هذه الأُمورِ- فأنا أُصَدِّقُ به، وإذا لم يَظهَر لي فأنا لَسْتُ مُلْزَمًا بأن أُصَدِّق أو أُكَذِّب، أَقِف مِن هذا مَوْقِف المُحَايِد، وهذا هو العَقْل.

<<  <   >  >>