فإن قال قائِل هذه النَّظرِيةِ: هذه تُخالِف القرآن. يَعنِي: هناك مَن يَقول: الشمس طالِعة والأرض هي التي تَدور عليها.
فالجَوابُ: نحن قُلنا: مَسأَلة الشمس ثابِتة أَبطَلنَاها؛ وقُلْنا: هذا لا يَجُوز؛ مع أنهم يَقولون: إن الشمس ليسَتْ بثابِتة، وإنها تَدور في الأَوَجِ العالي تَسير سيرًا عظيمًا، وفي كُتَيِّب صغير اسمُه عِلْم الفلَك القَديم يَقول: تَنطَلِق في الثانية آلاف الأميال.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: بَيَانُ قُدْرةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِبَثِّ هذِه الدوابِّ في الأرض؛ لِقوله تعالى:{وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}؛ أَي: نَشَر؛ وَجْه دَلالتها على القُدرة: اختِلاف هذه الدوابّ في أجناسِها وأنواعِها وأشكالهِا وأحوالهِا، وقد سَبَق لنا بَيانُ بعضِ الحِكَم في خَلْق ما هو ضارٌّ منها، وذكَرْنا عِدَّة حِكَم في خَلْق هذا الضَّارِّ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: بيان قُدْرَة اللَّهِ أيضًا وحِكْمَتِه ورَحْمَتِه في إنزالِ الماء مِن السَّماء، فالقُدْرة أنَّنا نَجِد هذا الماءَ يَنزِل مِن فوقُ، فمَعنَى ذلك أن هناك بِحارًا عَظيمةً تَطوف بِالأرْض -بَيْن السَّماء والأَرض-، وقد قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ في آية أخرى:{وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} سبحان اللَّه! جِبَال بين السماء والأرض مِن البَرَد يَنْطَلِق مِنْها هذه الأَجزاءُ حتى يَنْزِل الأرض، ولو شاء اللَّه تعالى لَأَنْزَل الجبَلَ جميعًا على الأرض.
وقُلْنا: فيه أيضًا دليل على الرحمة حيثُ كان نُزولُه مِن العُلُوِّ لأَجْل أن يَشمَل المُرتَفِع والمُنْخَفِض.
وفيه أيضًا دليل على الرحمة: أنَّ هذا الماءَ لنا فيه فائَدتان عَظيمتان: إنبات ما يَنْبُت مِنْه، والثاني: خَزْنُه في الأرض، قال تعالى:{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}[الحجر: ٢٢] وقال في آية أُخرى: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ}[الزمر: ٢١]، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ