للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مَاذَا}: (ما) أَعْرَبَها على أنَّها غير مُلغَاة، ويَجوز إلغاؤُها، بل قد يُقَال: إن إلغاءَها أَوْلى؛ لأنك إذا ألغَيتَها جعَلْت {مَاذَا} مَفعول مُقدَّم لِـ {خَلَقَ} وحِينئذ لا نَحتاج إلى هذا، والأصل عدَمُ الحذْف، وإلغاؤُها لَه وجهان: إمَّا أن تَكون (ما) اسمَ استِفهام و (ذا) زائِدة، أو تَقول: (ماذا) جميعًا اسمُ استِفْهام.

وقوله تعالى: {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أي: مَن سِوى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وهذا التَّحَدِّي وكلُّ تحَدِّ في القرآن لا يُمكِن أن يَكون مَوجودًا؛ لأنَّه لو كان الشيء مُمكِنًا لكان التَّحدِّي لَغوًا لا فائِدةَ فِيه.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{بَلِ} للانتِقال {الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} بَيِّن بإِشْراكِهم وأنتم مِنْهم] يَعنِي: أنَّ الأمرَ واضِحٌ، وأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللَّه تعالى، وأنه لا يُمكِن أن يُوجَد أحَد يَخلُق، ولكن استِمْرار المُشرِكين في شِرْكهم يُعتَبَرُ ظُلمًا وضلالًا مُبِينًا؛ ولهذا قال تعالى: {بَلِ الظَّالِمُونَ} أي: المُشرِكون الذين أَشرَكوا مع اللَّه تعالى في العِبادة مع أنَّهم مُؤمِنون بأنَّه لا شريكَ له في الخَلْق.

وقوله تعالى: {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [بَيِّن] وكلِمة (مُبِين) تَأتِي بمَعنى: بَيِّن، أي: ظاهِر، وبمَعنَى: مُظْهِر؛ لأنها مُشتَقَّة من (أَبَانَ) الرُّباعِيِّ، و (أَبَان) الرُّباعِيُّ يَأتي مُتَعَدِّيًا، ويَأتي لازِمًا، فيَأتي (أَبَانَ) بمَعنَى: (بَان)، أي: ظَهَر، وحينئذٍ يَكون لازِمًا، ويَأتي بمَعنَى: (أَظهَر) أَبان الشيءَ: أَظهَرَه، وحينَئِذٍ يَكون مُتعَدِّيًا، وفي هذه الآيةِ: {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} مِن اللازِم؛ ولهذا فسَّرها بقوله: [بَيِّن].

ومثاله من المُتعَدِّي في القرآن الكريم؛ قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} يَعنِي: البَيَّن بنَفْسِه المُبِين لِلحَقِّ، وكذلك: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}؛ أي: مُظْهِر.

فالحاصِلُ: أنَّ (مُبِين) لا يُظَنُّ أنها دائِمًا مُتَعدِّيَة، فقد تَكون لازِمةً بمَعنَى: بَيِّن،

<<  <   >  >>