للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {اشْكُرْ لِلَّهِ} اللَّام هنا لِلاختِصاص والاستِحقاق؛ لأنَّه لا يَختَصُّ بالشُّكْر المُطْلَق، ولا يَستَحِقُّ الشُّكْر المُطلَق إلَّا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

والشُّكْر: هو القيام بطاعة المُنْعِم اعتِرافًا بالقَلْب، وثَناءً باللسان، وطاعةً بالأركان.

فمُتَعَلَّقُ الشُّكْر ثلاثة: اللسان، والقَلْب، والجوارِح، وسببُه واحِد: وهو النِّعْمة؛ ولهذا كان بينه وبين الحَمْد عُمُوم وخُصوص:

فمِن جِهَة السَّبَب الحَمْدُ أعَمُّ، ومن جِهَة المُتَعَلَّق الشُّكْرُ أعَمُّ، وذلك لأن الحَمْد سببُه أمران: كَمَالُ المَحْمُود وإنْعَام المحْمُود؛ ولهذا تَحْمَدُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ على كَمالِه، وتَحْمَدُهُ على إنْعَامِه.

ولكنَّ الحَمْدَ مِن حَيْث المُتعلَّق يَختَصُّ باللسان فقط، أمَّا الشُّكْر فإنَّه من حيث السبَب أَخصُّ؛ لأنَّه لا يَكون إلَّا في مُقابَلَةِ نِعْمة، لكن مِن حيث المُتَعَلَّق أعَمُّ يَكُون بِالقلْب واللِّسان والجوارِح، وعليه قولُ الشاعِر:

أَفَادَتْكَمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلسَانِي وَالضَّمِيرَ المُحَجَّبَا (١)

وقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} قُلْنا: إنَّ اللام هنا للاختِصاص والاستِحقاق، فيَجِب على العَبْد أن يُخْلِص الشُّكرَ له، وأن يَعتَقِد بقلبِه أنَّه لا يَستَحِقُّ الشُّكْرَ المُطلَقَ إلَّا اللَّهُ تعالى.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}؛ لأنَّ ثواب شُكْرِه لَه {وَمَنْ كَفَرَ} بالنِّعمة {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} عن خَلْقِه {حَمِيدٌ} مَحْمُودٌ في صُنْعِه].


(١) غير منسوب، وانظره في غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٤٦)، والفائق للزمخشري (١/ ٣١٤).

<<  <   >  >>