للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَنْ يَشْكُر} الجُملةُ هذِه شَرْطِيَّة، فِعْل الشرط فيها مَجزوم بـ (مَن)، وجواب الشرط: جُمْلةُ قولِه: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، و (إنَّما) أداة حَصْر، و {يَشْكُرُ} فِعْل مُضارِع؛ وجواب الشَّرْط هو الجُملة: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}، لا قوله تعالى: {يَشْكُرُ} فقط.

وقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} كيف قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} ثُمَّ قال: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}؟ قد يُقال: إن المُتَوَقَّع أن يَقول: ومَن يَشكُر فإنما يَشكُرُ اللَّهَ؟

ولكن نَقول مَثلَما قال المُفَسِّر: إن مَعنَى قوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}؛ أي: أنه يَعُودُ ثَوابُ الشُّكرِ إليه، فهو لمِصلحتِه، وليس الشُّكْر يَعود إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيَنتَفِعُ به؛ لأنّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْتَفِع بالطاعة، ولا يَتَضَرَّرُ بالمَعصية، وإنما يَعود إليك أنت نَفْسِك.

وقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ} وهو ضِدُّ الشُّكْر.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} غَنِيٌّ عَنه إذا كفَرَ نِعمَة اللَّه تعالى، و {حَمِيدٌ} فَعِيل بمَعنَى: مَفْعُول، ويَجوز أن يَكون {حَمِيدٌ} بمَعنَى: فَاعِل حَامِد، فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَحْمُودٌ وحَامِدٌ، لأنَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَصِفُ مَن يَستَحِقُّ الصِّفاتِ الكَامِلَةَ بِمَا يَسْتَحِقُّه؛ ولهذا أَثنَى على أنبيائِه وعلى أَوْليائِه، وهذا حمْدٌ لهم، وهو أيضًا مَحمُود مِن عِبادِه، فهو فَعِيل بمَعنَى: فَاعِل، وبمعنى: مَفعول.

ووجهُ ارتِباط جملة جواب الشرط: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} بالشرط ظاهِر، يَعنِي: مَن كفَر فإنَّه لن يَضُرَّ اللَّه تعالى، ولن يَنْقُصَ مِن مُلكِه؛ لأنَّه غَنِيٌّ، وكذلك لن يَكون في ذلك قُصُورٌ مِن حِكْمته؛ لأنه جَلَّ وَعَلَا حَمِيد، فإيجادُ الشاكِرين ممَّا يُحْمَدُ اللَّه عليه، وإيجاد الكافِرين ممَّا يُحمَد اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليه، ولولا هذا ما عُرِف

<<  <   >  >>