للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} أي: لا تَجعَلْ معه شَريكًا في العِبادة، وفي الخَلْق والتقْدِير، وفي أسمائِه وصِفاتِه؛ لأن التَّوْحيد -كما هو مَعروف عند أهل العِلْم- يَنقسِم إلى ثلاثةِ أقسام: تَوحيدُ الرُبُوبِيَّة، وتَوحيد الأُلُوهِيَّة، وتَوْحِيدُ الأسْمَاءِ والصِّفَات.

فالشِّرْك باللَّه تعالى: أن يُشرِكَ باللَّه تعالى في أحَدِ هذه الأقسام، فمَنِ اعتَقَد أنَّ معَ اللَّه تعالى خالِقًا فهو مُشْرِك في الربوبية، ومَنِ اعتقدَ أنَّ معَ اللَّه تعالى مَن يَسْتَحِقُّ أن يُعْبَد فهو شِرك أُلوهية، ومَن اعتَقَد أن للَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنازِعًا في أسمائِه وصِفاتِه فهو مِن باب الشِّرْك في الأسماءِ والصفات.

قال المُفسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ} باللَّه {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}] أكَّد لُقمانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كون الشِّرْك ظُلمًا بِمُؤكِّدَيْن وهما: (إنَّ)، واللَّامُ.

وقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} الجُملة تَعليلٌ لمِا قبلَها، وهو قوله تعالى: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}، فجمَعَ له لُقمانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْن الحُكْم والحِكْمَة، فنَهاه عن الشِّرْك، وبَيَّنَ أنه ظُلْم عَظيم، والظُّلْم في الأصْل النَّقْص، ومِنه قوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: ٣٣] أي: لم تَنْقُص.

وأمَّا في الشَّرْع فإنَّ الظُّلم: هو نَقْص كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وعلى هذا فالشِّرْك نَقْصٌ في حقِّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.

وقولُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} هذا مِن باب تَعظِيم الشِّرْك والحذَرِ مِنه، وَلا يُوجَد أَعْظَمُ ظُلْمًا مِن الشِرك؛ لأنه مهمَا كان فإنَّ ظُلْمَ الشِّرْك أعْظَمُ مِن كُلِّ شيء، فالذي خلَقَك أَوْجدَك مِن العدَم، والذي أَمدَّكَ بما تَقومُ به حياتُك هو اللَّه

<<  <   >  >>