للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والذي أَعدَّكَ وجعَلَك مُستَعِدًّا لمِا تَنتفِعُ به هو اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فهو المُوجِد المُعِدُّ المُمِدُّ، وإذا كان كذلك فلا يُوجَد أحَدٌ أعْظَمُ حَقًّا عليك مِن اللَّه تعالى، فإذا نَقصْتَ اللَّه تعالى حقَّه كان ذلك أَعظمَ الظُّلْم؛ ولهذا مَن كان إليك أكثرَ إحسانًا فإن إساءَتَك إليه تَكونُ أعظَمَ مِن غيرِه، فإنَّ الذي يُحسِن إليك ويُعطِيك ويُرْبِيك ثُم تُسيءُ إليه أعظَمُ مِمَّا لو أَسأْتَ إلى أحَدٍ لم يَكُنْ مِنْه ذلك.

قال: [{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} فرَجَعَ إليه وأَسْلَم] الذي رجَع الابن.

وعلى كُلِّ حال: لا نَعرِف هل هذه المَسأَلةُ كَما قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ؛ أنَّ الابن كان مُشْرِكًا، فلمَّا وعَظَه أبُوه رجَع فأَسلَم، أو أنَّه -أي: الابن- خافَ عليه أبوه مِن الشِّرْك فنَهاه عنْه، وبَيَّنَ لَه أن الشِّرك لَظُلم عظيم.

ولا يَلزمُ مِن النَّهي عنِ الشِّرْك أن يَكونَ الإنسان قد أَشرَك؛ لأنَّه قد يُنْهَى عن الشيء خوفًا مِن وقوعِه لا رَفْعًا لما وقعَ مِنْه، وهذا أمرٌ مَوْجود مُطَّرِد في القرآن، وفي السُّنَّة، وفي كلامِ الناس، فتَقول لِلرَّجُل مثلًا: لا تُصاحبِ الأشرار. فلا يَلزَم مِن هذا النهي أن يَكون مُصاحِبًا لهم، فقد يَكون نهيًا لمِا يُخَاف أن يَحصُل مِنه.

فكلِمة {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} ليسَت صريحة في أنَّ الابن قد وقَع في الشِّرْك حتى يُقال: إنَّه رجَع وأَسلَمَ، بل قد يَكونُ أبوهُ نهاهُ عن الشِّرْك خوفًا مِن أن يَقَعَ فِيه، والعِلْمُ عِنْد اللَّه تعالى.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَة الأُولَى: مُلَاطَفَة المُخَاطَب لاسْتِدْعَاء قَبُولِه لما يُوَجَّه إليه؛ لِقَوْلِه تعالى: {يَابُنَيَّ}، فإنَّ هذا مِن بابِ المُلَاطَفَة.

<<  <   >  >>