فلا بُدَّ أن يُرَكَّز على التوحيد، ولكن لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَال، فإذا كُنَّا في بلدٍ يَكْثُر فيها الشِّرك فإنه يَنبَغي أن يَكُونَ كَلامُنَا في التوحيد أكْثَرَ، وإذا كُنَّا في بَلدٍ بالعكس لكن عِنْدَهُم مُخَالَفَات في أمورٍ أخرى يَنبَغي أن نُرَكِّز عليها أكثَرَ، وذلك مَأخوذٌ مِن طريقةِ القرآن، فَفِي مكَّةَ كانَ التَّرْكيز على التوحيد في آياتِ القرآن أكثَرَ، وفي المدينة كان التركِيز على المُعَامَلات وفُرُوع العِبادات أكثَرَ، فَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَال.
ولذلك قد يَعْتَرِض بعض الناس، ويَقول: لمِاذا لا تُكثِرُون الكلام في التوحيد في المَمْلكة السُّعُودية مثَلًا, ولا سِيَّمَا في نَجْدٍ؟ !
نَقول: إنَّ الكلامَ في التوحيد لا شَكَّ أنَّه مُهِمٌّ؛ لأنَّه أهَمُّ الأشياء، لكِن إذا كُنَّا في قَومٍ قد وَحَّدُوا -وللَّه الحَمْد- وعرَفوا الأمر وهم بَعِيدُونَ عن الشِّرْك، وإنَّما يُخالِفُون في الأمورِ الأخرى دُونَ الشِّرْك، فَنَحْنُ نُرَكِّز على ما فِيه هذه المُخَالَفَةُ، على أنه لَو طَرَأَ مَا يَكْلُمُ التوحيد يَجِب أن يُرَكَّزَ عليه، كما يُوجَد في الآوِنَة الأخِيرَة مِن ظُهُور بَعض الأشياء الشِّرْكِيَّة والبِدْعِية مِن هذه الكُتَيِّباتِ الصِّغَار التي فيها أذْكَار وأَوْرَاد كُلُّهَا كَذِب أو غالبُها كَذِب، فيَجِب أن يُرَكَّز عليه، كذلك أيضًا وُجِد تَمَائِمُ تُعَلَّق، تمَائِمُ مِن النُّحَاس يُقَال: إنَها تَنْفَع مِن الرُّومَاتِزْم، هذا أيضًا نوع مِن الشِّرْك، وكذلك أيضًا ما وُجِد مِن قَضِية الدّبْلَة وما يَتَعَلَّق بها، فالرجُل يَكتُب اسمَهُ على خَاتَم امْرَأَتِه، وهي تَكتُب اسمَها على خَاتِم زَوجِها، ويَعتَقِدون أنَّ هذا يُوجِب المحَبَّة والاحْتِرام، كأنَّه رِبَاط، هذا أيضًا مِن الشِّرْك، وهو مِن التِّوَلَة، فإذا طَرَأَت مِثْل هذه الأمورِ يَجِب أن تُحارَب، وأن يُركَّز عليها، وأن يُكْثَرَ القولُ فيها حتى لا تَنْتَشِر، فالمُهِمُّ أنه لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ كما قيل.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: توجِيهُ المَواعِظ مِن الآباء إلى أبْنَائِهم؛ لأنَّ هذا مِن الحِكْمة؛