للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {مَا لَيْسَ}: {مَا} هذه يُحتَمَل أن تَكُونَ اسْمًا مَوْصُولًا، أي: الذي ليس لك به عِلْم، ويُحتَمَل أن تَكُونَ نَكِرَةً مَنصوبةً، أي: أن تُشْرِك بِي شَرِيكًا ليس لك بِه عِلْم.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلَا تُطِعْهُمَا} جوابُ الشَّرْط، وهو: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} إن جاهَداك فلا تُطِعْهما، وتَأمَّلْ قولَه تعالى: {فَلَا تُطِعْهُمَا}، ولم يَقُل: فلا تَبَرَّهُمَا، ولم يَقُل أيضًا: فاعْصِهَما، لِأنَّ كَلِمة {فَلَا تُطِعْهُمَا} أهوَنُ في النَّفْس مِن كلِمة: فاعْصِهما؛ ولهذا كان قولُ إبراهيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَبيه: {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ} [مريم: ٤٣] أهونَ مِن قوله: يا أبَتِ إنك جاهِل بما عندي؛ لذا قال تعالى: {إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ}؛ لأنَّ نفيَ الكَمَال أهوَنُ مِن إثْبَات النَّقْص على النُّفوس.

ويُذْكَر أنَّ أحدَ الملوك رأَى في المنام أنَّ أسنانَه قد سَقَطَت، فقال: ادعوا لي مُعَبِّرًا يُعَبِّر هذه الرؤيا. فجاؤُوا برجُل لِيَعْبُرَها، فقَصَّ عليه الرؤيا، فقال: يَموتُ أهلُك. فلَمَّا قال: يَموتُ أهلُكَ. فَزَع الملِك وهَلَع وقال: اجلِدُوه، فَجَلَدُوه وانصرَف. قال: أَعطوني غَيرَه فجاؤُوا برجُلٍ آخَرَ، فقَصَّ عليه الرؤيا، فقال: الملِك يَكون أَطولَ أهلِه عُمُرًا. فأَكرَمَه وأَسْبَغ عَليه النِّعَم، ومعنى ذلك مُتقارِب، فإذا كان أطولَهم عُمُرًا فمَعناه: أنهم يَموتون قبله.

والحاصِلُ: أنَّ التعْبِير له أثَرٌ على النَّفْس، فكلمة: {فَلَا تُطِعْهُمَا} أهوَنُ مِن كَلِمة: اعْصِهما. ثُمَّ قوله تعالى: {فَلَا تُطِعْهُمَا} لم يَقُل: لا تَبَرَّهما، أو: لا تَقُمْ بحَقِّهما، فحَقُّهُما واجِب، ولو أَمَرَاك بالشِّرْك فإذا كان الوالِدان لهما حقٌّ واجِب ولو أمَراك بالشِّرْك، فكيف إذا أمَرَاك بما دُونَ الشِّرْك؟ ! ولهذا حقُّ الوالدين ليس بالأَمْر الهَيِّن.

<<  <   >  >>