للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمِثْل هذه الحالِ لا يجوز للإنسان إذا رأَى أن أُمَّه سوف تمَوت أو أبوه سوف يَموت لا يَجوز له أن يُشرِك.

فإن قال قائِل: لو أَراد أن يَقول: إنَّه مُشْرِك بِلسَانِه مُتَأَوِّلًا هل يَجوز ذلك؟

فالجَوابُ: لا يَجوز أن يُوافِق ولو بِالتَّأْوِيل، فلْيَصْبِر، ويَقول: أنا ما ضرَرْتُكِ شيئًا، أيُّ شيء تُريدين مِن أمور الدُّنيا فأنا مُسْتَعِدٌّ له. يَعنِي: ما ضرَرْتُك، فإن شِئْتِ فكُلي، وإن شِئْتِ فلا تَأكُلِي.

المُهِمُّ: أنه لا يَجوز أن يَقول ولو مُتَأَوِّلًا, إلَّا إذا لو خَافَ على نفسِه هو، وهذا فَرْق بين مَن يَخَاف على نَفْس غيرِه أو على نَفْسِه، فلو خافَ على نَفْسِه هو أن يُقْتَل فلَه أن يَقُولَ ذلك مُتَأَوِّلًا لقولِه تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: ١٠٦] على أنَّه -أي: المَسأَلة الأخيرة- لا يَجوز فيما إذا كان فيه نُصْرةٌ للإسلام، فإنَّه إذا كان في ثُبُوتِه نُصْرة للإسلام وفي مُوافقَتِه ظاهِرًا خُذْلانٌ لِلإسلام حَرُم عليه ذلك؛ لأَنَّه حينئذٍ يَدخُل في باب الجِهَاد مِثْل ما حصَل للإمامِ أحمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، دُعِيَ إلى القَوْل بخَلْقِ القرآن، ودُعِيَ غيرُه أيضًا إلى القولِ بخَلْق القرآن، فَمِن العُلَماء رَحِمَهُم اللَّهُ مَن تَأَوَّل وأَجابَ ظاهِرًا بما يُدْعَى إليه، ومِنهم مَن أَصَرَّ فقُتِل، ومنْهم مَن أَصَرَّ فحماهُ اللَّه تعالى مِن القتل كالإمامِ أحمدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فالإمام أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لم يُجِبْهم ولو بالتأويلِ؛ لأنَّ الناس يَنظُرُون ماذا يَقولُ الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فلو قال: إنَّ القُرْآن مخَلوق. ولو بالتَّأوِيل، ستقول العامةُ: إنه مَخْلُوق. وتَنطَلي هذه البِدْعةُ على عُمُوم المُسلِمين، فرأَى رَحِمَهُ اللَّهُ أنه لا يَجوز أن يَتَأَوَّل في هذه الحالِ؛ لمِا في ذلك مِن خُذْلان الحقِّ وإثبَاتِ البَاطِل.

وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} هذا التَّعقيبُ لمَّا ذكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

<<  <   >  >>