وقوله تعالى:{أَنَابَ} بمَعنَى: رَجَع مِن المَعصِية إلى الطاعة، ومن الشِّرْك إلى التوحيد، ومن الفُسُوق إلى الاستِقامة والتَّقْوى.
ويُقال: إن سعدَ بنَ أبي وقَّاص -رضي اللَّه عنه- لمَّا أَسلَم قالت له أُمُّه: ما هذا الدِّينُ الذي أَتَيْت به؟ فقال: هذا هو الحقُّ. فقالت له: لَتَتْرُكَنَّه أو لَأَدَعَنَّ الطعامَ والشَّرابَ حتَّى أمُوت، فَتُعَيَّرَ بي. فقال: هذا حقٌّ لا أَدَعُه. فأَمْسَكَت عن الطَّعام والشراب يومًا كامِلًا، فلمَّا أَصبَحَت إذا هي مُجْهَدَة -يَعنِي: مُتعَبة مِن الجُوع والعَطَش- فطلَب منها ولَدُها أن تَأكُل وتَشْرَب، وقال: أنا لَن أَرْجع عن هذا الدِّينِ. ولكنَّها أَبَتْ، وفي اليوم الثاني: أَصبَحت أكثَرَ جُهْدًا، فقال لها: كما قال في الأوَّل: إنِّي لن أَدعَ هذا الدِّينَ. فبَقِيت على عِنَادِها، فلمَّا كان في اليَوْم الثَّالِث، وإذا هِي قَد أَصْبَحَت مُجْهَدَة جُهْدًا شَدِيدًا، فقال لها: يا أُمِّي تَعلَمِين أنَّ هذا هُو الحَقُّ، واللَّهِ لو كانت نَفسُكِ مِئَة نَفْس وماتَت كُلُّ نَفْس -يَعنِي: وحدَها- واللَّهِ ما أَدعَ هذا الدِّينَ. فلمَّا رأَت أنَّ الرَّجُل عَازِم أَكَلَتْ (١).
(١) أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، باب في فضل سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه-، رقم (١٧٤٨)، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- بنحوه.