للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ} طَرِيق {مَنْ أَنَابَ} رجَعَ {إِلَيَّ} بالطَّاعَة] قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ}: {مَنْ} هذه اسمٌ مَوْصول، والاسمُ المَوْصول يُفيدُ العُموم، فهل هو على عُمومِه أي: اتَّبع سبيل مَن أَناب إلَيَّ مِنْهما أو مِن غيرهِما، أو هُو عامٌّ أُرِيدَ به الخُصُوص، أي: مَن أَناب إلَيَّ مَنهما؟

الجَوابُ: الأَوْلَى أن نَقُول بالعموم {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ} مِن كُلِّ النَّاس، وعلَيْه فمَن أَنابَ مِن الوالِدَين إلى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَكونُ اتِّباعُ سبيلِه مِن بابِ أَوْلى.

وقوله تعالى: {أَنَابَ} بمَعنَى: رَجَع مِن المَعصِية إلى الطاعة، ومن الشِّرْك إلى التوحيد، ومن الفُسُوق إلى الاستِقامة والتَّقْوى.

ويُقال: إن سعدَ بنَ أبي وقَّاص -رضي اللَّه عنه- لمَّا أَسلَم قالت له أُمُّه: ما هذا الدِّينُ الذي أَتَيْت به؟ فقال: هذا هو الحقُّ. فقالت له: لَتَتْرُكَنَّه أو لَأَدَعَنَّ الطعامَ والشَّرابَ حتَّى أمُوت، فَتُعَيَّرَ بي. فقال: هذا حقٌّ لا أَدَعُه. فأَمْسَكَت عن الطَّعام والشراب يومًا كامِلًا، فلمَّا أَصبَحَت إذا هي مُجْهَدَة -يَعنِي: مُتعَبة مِن الجُوع والعَطَش- فطلَب منها ولَدُها أن تَأكُل وتَشْرَب، وقال: أنا لَن أَرْجع عن هذا الدِّينِ. ولكنَّها أَبَتْ، وفي اليوم الثاني: أَصبَحت أكثَرَ جُهْدًا، فقال لها: كما قال في الأوَّل: إنِّي لن أَدعَ هذا الدِّينَ. فبَقِيت على عِنَادِها، فلمَّا كان في اليَوْم الثَّالِث، وإذا هِي قَد أَصْبَحَت مُجْهَدَة جُهْدًا شَدِيدًا، فقال لها: يا أُمِّي تَعلَمِين أنَّ هذا هُو الحَقُّ، واللَّهِ لو كانت نَفسُكِ مِئَة نَفْس وماتَت كُلُّ نَفْس -يَعنِي: وحدَها- واللَّهِ ما أَدعَ هذا الدِّينَ. فلمَّا رأَت أنَّ الرَّجُل عَازِم أَكَلَتْ (١).


(١) أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم، باب في فضل سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه-، رقم (١٧٤٨)، من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- بنحوه.

<<  <   >  >>