للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا صلَّى وداوم عليَّ (١) قويَ دِينه، لكن لم يكن له رفعةٌ وكمالٌ، فإذا جاهد حصل لدينه الرِّفعة والكمال، فلذلك قال: «وعَمُوده» أي: قوامه الذي يقوم به ويظهر عليه, «الصَّلاةُ» فإنها المقيمة لمنار الإسلام، كما أن العمود هو الذي يقيم البيت، فهي العملُ الدائمُ الفارقُ بين المؤمن والكافر، المشتملةُ على ما لم يشتمل عليه غيرها من القربات، كيف وهي طُهرةٌ للقلوب، واستفتاح لأبواب الغيوب (٢)؟ ! .

«وذروة سنامه الجهادُ»؛ لأنه [مقرون بالهداية] (٣) بدليل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (٤) فهو أعلى أنواع العبادة من حيث صعوبُتُه / [١٢٠/أ] على النفوس أكثر من جميع الأعمال، وإنَّ به أُعليَ (٥) كلمة الله ونصرةُ أوليائه وقهرُ أعدائه وحماية بيضة الإسلام، وليس ذلك لغيره من العبادات، فهو من هذه الجهة أفضل، وإنْ فَضَله غيره من الفروض من جهاتٍ أُخَر.

والعبادة قد تكون فاضلةً ومفضولةً باعتبارين، كما يصير فرض الكفايةِ في بعض الأحوال فرضَ عينٍ، ألا ترى إلى قول ابن الزملكاني (٦) كغيره (٧): (قد يعرِض للمفضول ما يكسبه على غيره فضلًا, وليفصَّل ذلك لِيتّخذ أصلًا: فإن العبادة تفضل تارةً بحسَب


(١) كذا في الأصل (عليَّ)، ولعلَّ الصواب: (عليها) , والنصّ ساقطٌ من (ب).
(٢) قوله رحمه الله: (استفتاح لأبواب الغيوب) فيه نظر؛ فالغيب من خصائص علوم الله تبارك وتعالى.
(٣) في الأصل: (مقرنٌ بالهادية)، والمثبت من (ب).
(٤) سورة العنكبوت: (٦٩).
(٥) في (ب): إعلاء.
(٦) الزَّمْلَكاني: بفتح الزاي وسكون الميم وفتح اللام والكاف وفي آخرها نون, هو: محمد بن علي ابن عبد الله كمال الدين ابن الزملكاني الأنصاري الدمشقي، الشيخ الإمام العلامة رئيس القضاة في وقته، ذو الفنون كبير الشافعية في عصره؛ طلب الحديث وقرأه، وكان فصيحاً بصيراً بالمذهب وأصوله، قويَّ العربية، تفقَّه ثمّ أفتى وله نيّف وعشرون سنة، وكان يضرب بذكائه المثل، وشرح قطعة جيدة من " المنهاج " للنووي. توفي (٧٢٧ هـ) انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (٢/ ٧٥) , وفوات الوفيات (٤/ ٨) ..
(٧) في الأصل: (كغير) بلا هاء.

<<  <   >  >>