للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستفهام معنى النفي، والتقدير: لا يكبُّ الناسَ في النَّار شيء من الأشياء إلا حصائدُ ألسنتهم من الكلام القبيح كقذفٍ وشهادةِ زورٍ وشتمٍ وغيبة ونميمةٍ وبهتانٍ ونحوها، وهذا الحكم واردٌ على الأغلب والأكثر؛ لأنك إذا جرَّبت وفكَّرت لم تجد أحدًا حفظ لسانَه عن السوء ويصدُرَ منه شيءٌ يوجبُ دخوله النار إلّا نادرًا. ذكره الطيبيُّ (١).

وقال الطوفيُّ: (الحصرُ إضافيٌّ؛ إذ مِن النَّاسِ من يكبُّه في النار غيرُ كلامِه، فتخصيصُه: إما لكونه أبلغ ضررًا لتعدِّيه إلى الغير، أو خرج مخرج المبالغة تفظيعًا لشأنه، أو لأنَّ الأعمال يقارنها الكلام غالبًا، فله حصَّة في سببية الجزاء ثوابًا وعقابًا، وفي المثل يقول اللسان للقفا: كيف أصبحت؟ فيقول: بخيرٍ إن سلمتُ منك! ) (٢).

وفي الصحيحين: «أنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبيّن فيها يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» (٣). فحثّ على قلة الكلام.

وفي المعجم الكبير للطبرانيِّ والبيهقيّ في الشُّعب من حديث أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ارتقى ابن مسعود الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسَان (٤): قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرّ تسلم, من قبل أن تندم، سمعت رسول الله صلى الله عليه


(١) الكاشف عن حقائق السنن (٢/ ٤٨٨).
(٢) التعيين (ص ٢٢٥).
(٣) صحيح البخاري، كتاب الرَّقاق، باب حفظ اللسان (٦٤٧٧)، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (٢٩٨٨). وفيهما: «العبد» بدل الرجل، وفي لفظ لمسلم: «ينزل» بدل: «يزلّ».
(٤) في (ب): يا فلان.

<<  <   >  >>