للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الغزاليُّ: (المعنى في ذلك: أن نطق اللسان يؤثِّر في أعضاء الإنسان بالتوفيق والخذلان، فاللسان أشدُّ الأعضاء جماحًا وطغيانًا، وأكثرها فسادًا وعُدوانًا، ويؤكّد هذا المعنى قول مالك (١) بن دينارٍ: إذا رأيت قسوةً في قلبك, ووهنًا في بدنك, وحرمانًا في رزقك, فاعلم أنَّك تكلَّمت فيما لا يعنيكَ) (٢).

فإن قيل: ما ذكر في هذا الحديث: من أنَّ أعظم الخطايا في اللسان، وأنه إذا استقام استقامت الأعضاء، وإذا اعوجَّ اعوجَّت، يخالفه ما مرَّ في حديث: إنَّ في الجسد مضغةً إلى أن قال: «وهي القلب» (٣)، قلنا: اللِّسانُ تَرجُمان القلبِ، وخليفته في ظاهر البدن، فإذا أُسند الأمرُ إليه فهو مجازٌ في الحكم، كقولك: شفى الطبيبُ المريضَ.

تتمَّة: قد كان السلفُ على غايةٍ من حفظ اللسان: قال الإمام ابن أبي جمرة (٤): أخبرني بعض مشايخي عن بعض مشايخه: أنَّه كان قاعدًا (٥) أحدُ أصحابه فأتاه ابنه من المكتب، فقال: حفظتُ لوحي، أقعد أو أمشي ألعب؟ فلم يجبه، فكرّره، فقال له صاحبه: ألا تقول له: يلعب، أليسَ اللَّعبُ (٦) يُصْلح الصبيان؟ قال: ما أريد أن يكون


(١) في الأصل: (الملك بن دينار).
(٢) منهاج العابدين إلى جنَّة ربِّ العالمين (١٠٨ - ١٠٩).
(٣) أخرجه البخاريّ, في كتاب الإيمان, باب فضل من استبرأ لدينه (١/ ٢٠, رقم ٥٢). ومسلم في كتاب المساقاة, باب أخذ الحلال وترك الشبهات, (٣/ ١٢١٩, رقم ١٥٩٩).
(٤) هو عبد الله بن سعد بن سعيد بن أبي جَمْرَة المالكيّ الأندلسي، صاحب "مختصر البخاري: جمع النهاية في بدء الخير وغايته, ثم شرح مختصره وسمَّاه (بهجة النفوس)، وقد انتفع الناس بهذا الشرح واستفاد منه شرَّاح البخاريِّ كثيرًا، وسمَّاه الحافظ في الفتح (١/ ٢٤) بالإمام القدوة، ونقل عنه قرابة مائةٍ وخمسين نقلًا. توفِّي سنة (٦٩٥ هـ) انظر: سلم الوصول إلى طبقات الفحول (٢/ ٢١١). الأعلام للزركلي (٤/ ٨٩).
(٥) في (ب): مع أحد.
(٦) في (ب): فإن اللعب.

<<  <   >  >>